الزواج في الإسلام آية ربانية، وسنة
نبوية، وفطرة إنسانية، وضرورة اجتماعية، وعفة، وسكن للغريزة الإنسانية.
ولكي ينجح هذا الزواج لابد له من منهج قويم، وتخطيط سليم. وفي هذه الزاوية
نتناول الوصايا النبوية التي تعتبر مقومات حقيقية للسعادة الزوجية. ووصيتنا
هنا بخصوص شيء مهم يزيد من المحبة والوئام بين الناس كافة، وبين الزوجين
خاصة ألا وهو الهدية.
للهدية عظيم الأثر في استجلاب المحبة، وإثبات المودة، وإذهاب الضغائن،
وتأليف القلوب، وهي دليل على الحب، وصفاء القلوب، وفيها إشعار بالتقدير
والاحترام، ولذلك فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية، قبلها من
المسلم، وغير المسلم، كما حثَّ صلى الله عليه وسلم على التهادي، وعلى قبول
الهدايا.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، ومعنى يثيب
عليها: أي يجازي المهدي بهدية أيضًا، وهذا هو قمة الذوق والوفاء، وروي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تهادوا تحابوا" .أخرجه البخاري.
الهدية مفتاح القلوب:
وعُرف عن الهدية أنها مفتاح القلوب، ومفتتة الضغائن، فربما يكون القلب
معرضًا منقبضًا عن إنسان، فإذا تغيّرت المعاملة إلى معاملة فيها من الود
والرحمة والتهادي تغيرت النفوس، وانشرحت القلوب.
وإذا كانت الهدية مهمة ومؤثرة على إطلاقها، فإن أهميتها وتأثيرها يزدادان
بين الزوجين، فللهدية من الزوج لزوجته عظيم الأثر في جلب مودتها، ودفع
الوساوس عنها، وإثبات محبتها، وهي دليل على التراحم، وخاصة إذا صحبت
بالكلمات الطيبة، والعبارات المريحة، والابتسامات الصادقة. وكذلك الأمر من
الزوجة لزوجها، فهي تذكرة للعهد، ومجلبة للود، ودافعة لملل قد تراكمه
الأيام.
وليست الهدية ذات أثر في إيجاد المحبة فقط، بل لها أثر كذلك في إزالة
الجفوة، وفي مسح ما قد يكون من غضب أو ضغينة، فإن العلاقة بين الزوج
والزوجه ممتدة لأجل غير مسمى، فربما يخطئ طرف في حق الطرف الآخر، فيقع من
أثر الخطأ نوع من الجفوة، أو بعض الغضب، أو قليل من شحناء، أو بغضاء، فإذا
بادرالزوجان إلى الهدية فكأنها لسان حال الاعتذار، وكأنها جلاء ما في القلب
من الأكدار.
الهدية تفوق الصدقة في الأجر:
والهدية في بعض الأحيان تفوق الصدقة في الأجر، وذلك إذا وقعت موقعها في التأليف، والوصل، وابتغاء الأجر والثواب.
ومداخل القلوب هي في الغالب أمور يسيرة، وأعمال هينة غير عسيرة تبذر بذور
المحبة في القلوب، وتفتح مغاليق أبوابها، وتذلل الطريق إليها، وتفرش الورود
والندى فيما بين الأزواج، حتى تأتلف، وتمتزج بماء المحبة والود والرحمة
والاستمرار.
و إن النفس والقلب لا شك يتأثران بالهدية امتنانًا من صاحبها، وشكرًا له،
ومودة ومحبة له، وإضافة لذلك فإننا نرى دلائل الشرع تؤيد هذا وتؤكده؛ لما
في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابُّوا) وهذا من جوامع كلمه
عليه الصلاة والسلام، لخّص فيه الفعل وأثره: (تهادوا تحابُّوا) أي: اجعلوا
بينكم التهادي، وتبادل التهادي، يحصل بينكم أو تقع لكم أصول المحبة فيما
بينكم بإذن الله عز وجل.
الحث على الهدية ولو بالقليل
وكان عليه الصلاة والسلام يقبل القليل كما يقبل الكثير، وكان يقبل بالهدية
وإن كانت قليلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ضاربًا من نفسه القدوة
لغيره: لو دعيت إلى ذراعٍ أو كُرَاعٍ لأجبت، ولو أهدي إليَّ ذراعٌ أو
كُرَاعٌ لقبلت. رواه البخاري، والكُراع من الدابة ما دون الكعب. قال الحافظ
بن حجر وخص الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير؛ لأن الذراع
كانت أحب إليه من غيرها، والكراع لا قيمة له.
هدايا لا ترد:
ومن أنواع الهدية التى أوصانا بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمرنا ألا ترد: الطيب؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان لا يرد الطيب، وصح عنه كذلك أنه قال: "من عرض عليه ريحان فلا يرده؛
فإنه خفيف المحمل طيب الريح". أخرجه مسلم