تتصرف معه بصدق و دون حسابات .
قال
الغراب في نفسه: الآن سأصول و أجول بالمنطقة كلها.. و سأستدعي الغربان و
أهيئ لهم الأجواء ... كان الغراب يحمل في رأسه أفكارا مبيتة و خطط جهنمية
للقضاء على
الحمامة التي كانت تعتقد أن الغراب سيكون لها صديقا وفيا ،
فساعدته على بناء عشه و عندما صار له عشا تنكر لها وتغير سلوكه تجاهها و
أصبح على غير عادته
انتبهت الحمامة من تصرفه هذا و استغربت فقالت في
نفسها: غريب أمر هذا الغراب، لقد أصبح يعاملني معاملة باردة و قاسية، ترى
هل هذا جزاء من أحسن له
و في يوم من الأيام قررت زيارته لتبارك له العش ،و فور وصولها قالت له : يا صديقي الغراب، إن عشك هذا جميل ، فألف مبروك
رد عليها قائلا: هذا العش أجمل من عشك أيتها الحمامة
قالت:
عشي بسيط ، و لكن عندما تهب الرياح يصمد، أما عشك فتنقصه بعض الفروع
المتشابكة حتى يصمد هو الآخر أمام العواصف و الفروع لا يعرف سرها غير
الحمام، فالحمام قادر على ربطها بخيوط ربطا محكما مع فروع الشجر
فقال الغراب: إذن ، هل تتكرمين علي أيتها الحمامة الجميلة و تقومي بربط العش بفروع الشجرة ؟
ردت عليه الحمامة قائلة : بكل سرور ، غدا سأجلب لك بعض الخيوط و سأقوم بربط الفروع بالعش ، حتى يزداد متانة
فكر الغراب بينه و بين نفسه و قال للحمامة: سوف لن أنسى جميلك هذا ما دمت حيا
وفي الغد جاءت الحمامة بخيوط و بدأت تربط العش بفروع الشجرة
و عندما أكملت عملها جاء الغراب، فوجد العش متينا و لم يعد يخاف من اهتزازه حين تهب الريح أو تأتي العاصفة
بعد
أيام و أشهر لاحظت الحمامة أن الغراب غير سلوكه معها و لكي تتيقن سلمت
عليه، فبدلا من أن يبادلها التحية و السلام أدار وجهه و تنكر لها فغضبت
الحمامة و قالت
انه مرة أخرى يتنكر للجميل رغم إني أحسنت إليه و ساعدته و لم أؤذيه
استغربت
الحمامة من تصرف الغراب تجاهها فسالت جارها الطاووس قائلة : أيها الطاووس
لقد سمحت للغراب بأن يبني عشا و ساعدته و لكني لاحظت من مدة ، انه تنكر لي و
لم يعد كعادته و يعاملني ببرودة .
فرد عليها الطاووس : يا لك من غبية
أيتها الحمامة ، هل تعتقدي أن الغراب يقبل بصداقتك و أن رغم ما فعلتيه معه
سيظل يرى بالجميل ، انك متوهمة
نصح الطاووس الحمامة و قال لها:خذي من الآن حذرك منه، فالغراب لا صديق له و لا صاحب .
خافت الحمامة من كلام الطاووس و ندمت على كل ما فعلته و قالت : أيها الطاووس أفهم من كلامك أن ابتعد عنه فقد يؤذيني
رد عليها الطاووس قائلا : نعم بالتأكيد ، فهذا الغراب قد يؤذيك في يوم ما
رجعت إلى عشها حزينة و نادمة و أصبحت تراقبه من بعيد فأحست انه ينوي غدرها
و
في يوم خرجت لتبحث عن طعام و في كل مرة تجلب طعاما و تضعه في العش و ترجع
ثانية للبحث عن الطعام و تضعه في العش و تواصل عملها هذا عدة مرات إلى أن
جمعت الكثير من الطعام و بينما هي غائبة عن عشها أتى الغراب و اخذ كل
الطعام الذي جمعته الحمامة و وضعه في عشه .
عادت الحمامة ولم تجد طعامها
في عشها ففهمت أن الغراب سرق طعامها فبقيت تنتظره و هي كئيبة حزينة و قالت
له عندما وصل إلى عشه: أيها الغراب هل رأيت أحدا اخذ طعامي من عشي ؟
رد
عليها و هو يضحك ساخرا: أنا لست حارسا على عشك؟ فقالت : أردت فقط أن أسالك
لأني أعتبرك من أفضل أصدقائي و قد سبق أن تعاونا معا و ساعدتك على بناء
عشك
رد عليها هذه المرة غاضبا : أيتها الحمامة أولا أنا لا أعتبرك
صديقة لي ، ثانيا ليس بيني و بينك أي تعاون و ثالثا و أخيرا لست مسئولا عن
ضياع طعامك و الآن يمكنك الانصراف
حز في نفس الحمامة كلام الغراب و قالت له : أهذا جزاء من أحسن إليك ، أتطردني يا غراب ، صدق من قال اتق شر من أحسنت إليه .
غادرت الحمامة و عادت إلى عشها وهي تبكي و تقول : يا له من غراب أسود حقير و لئيم و ناكر للجميل ...
مر
أسبوع و دخلت الفرحة قلب الحمامة ، عندما وضعت بيضة ثم ازداد العدد ، فقرر
الغراب أكل كل البيضات لا لشيء سوى لينغص عليها حياتها و يجعلها تفر
بجلدها و تترك عشها لغربان آخرين
وبعد أيام عادت الحمامة للعش فلم تجد بيضها ، تألمت كثيرا و بكت و عرفت أن الغراب اللعين هو من أكلها فقررت الانتقام منه بأي طريقة .
نادت الحمامة على أشقاءها اليمام و شكلت مجموعة منهم و قرروا مهاجمة عش الغراب في غيابه .
أخذ
اليمام يبعثر عش الغراب إلى أن سقط على الأرض ، بعد أن قامت الحمامة بفك
الخيوط التي ربطت بها العش بفروع الشجرة فهوى العش على الأرض ،فأخذ الطاووس
يرفسه برجليه إلى أن تلاشى .
عاد الغراب فلم يجد عشه ، فغضب غضبا شديدا
و قرر مهاجمة الحمامة، لكنه تفاجأ بمجموعة اليمام الذي طوقوا المكان و
منعوه من الاقتراب ... في الأثناء كان الطاووس يراقب حركات الغراب من
الأسفل
وتقدمت الحمامة بكل جرأة و شجاعة للغُراب و قالت له و هي غاضبة :
هذه نهاية كل ظالم مستبد ناكر للجميل ، لم يعد لك مكان بيننا و من الأفضل
أن تبتعد عنا و تتركنا نعيش في سلام .
كانت الحَمَامة سعيدة تغرد مسرورة
و اليمام و الطاووس يصفقون بأجنحتهم و يبدون فرحتهم بالنصر على هذا الغراب
اللئيم ، فشعر الغراب بالمهانة و بالهزيمة قد لحقته فقرر الهروب و طار
كالجبان دون رجعة . هكذا ا أصدقائي الصغار تنتهي قصتنا و صدق من قال أن
الغراب نذير شؤم و أن الحمامة رمز للسلام و الغراب رمز للتشاؤم .