الزمالك و نهر النيل
--------------------
كلمة الزمالك تركية الاصل عرفها المصريون لاول مرة عندما اراد محمد على والى مصر و حاكمها فى النصف الاول من القرن التاسع عشر أن يقيم معسكرات لقيادات الجيش فى تلك الجزيرة التى تقع فى حضن نهر النيل و تتوسط القاهرة و تكون قريبة من الاسطول البحرى ..و ضم لتلك المعسكرات بعض أفراد الجيش الذين كانوا من المحافظات النائية .. و أطلق على تلك المعسكرات كلمة " الزمالك ".. و استمر الحال حتى اصبحت عامرة بالسكان و لجمال موقعها و سحرها تسابق عليها علية القوم طيلة القرن التاسع عشر حتى أطلق عليها حى الارستقراطيين ..و مع الايام حولتها اللهجة العامية من زملك الى زمالك ..و لأن الجغرافيا تصنع التاريخ ..فقد أكتسب الزمالك بفعل موقعه الذى تغير أكثر من مرة خصوصية شديدة لقربه من نهر النيل .
ظل نهر النيل عاملا حيويا فى جذب المصريين لوحدة واحدة .. فظهر ذلك واضحا فى تلاحم أعضائه , و أنه يقع فى مصر موقع القلب من الجسد .. فكان نادى الزمالك موقع القلب من الوطن , و انه واحة هادئة للجميع بدون عنصرية او تفرقة .. فكان الباب مفتوحا للجميع و لكل الطبقات , و انه مصدر الحياة لمصر بعطاء خالد .. فكان هو رافد أساسى لدعم شباب مصر .
و تعلم الزمالك أيضا ان الامواج قد تأتى عالية و لابد من راحة الصدر و النفس الطويل لأنه اذا فاض و ثار و هاج أحدث كارثة و تحول الى شلال محطم جارف . و تعلم الزمالك من تلك الدروس و أصبح صرحا رياضيا فريدا فى الشرق الأوسط و يدل على ذلك جولاته و بطولاته
------------------
تاريخ ميت عقبة
------------------
شاء القدر أن يقف نادى الزمالك على ارض تضرب جذورها فى أعماق فترات مجيدة من تاريخنا.. ترجع تسمية تلك المنطقة الى عقبة بن عامر بن عيسى بن عمرو بن عدى بن عمرو بن رفاعة بن مودود بن عدى بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهنى ..و تم أختصاره الى " عقبة بن الجهنى " و كان متعدد الكنايات و الأوصاف .. فكان يطلق عليه أبا حماد .. و قيل ابو عمر .. و قيل أبو سعاد و ذلك بعد هجرته الى المدينة المنورة ..كان عقبة بن عامر الجهنى من الأوائل الذين جاءوا الى مصر مع عمرو بن العاص عند فتح مصر فقد كان ابن العاص يحاصر الاسكندرية حيث تتمركز قوات الروم فى حصون قوية .. و توجه بن عامر الجهنى الى عمق مصر بقوات من المسلمين لتحريرها من قوات الروم أختبأت فى حصون قوية أقامها هرقل لصد الغزوات القادمة من الشرق .
كان ابن عامر الجهنى _كما يشهد بذلك سعيد بن يونس (و هو من الرواه الثقاة ) _ قارئا عالما بالفرائض و الفقه .. صحيح اللسان .. شاعرا و كاتبا .. و هو اخر من جمع القرأن ..
تولى عقبة بن عامر امارة مصر سنة 44 هجريا و كتب الى معاوية بن ابى سفيان يسأله ارضا فى قربه يبنى فيها منازل و مساكن .. فأمر له معاوية بألف ذراع فى محافظة الجيزة بمنطقة الدقى و كانت تعرف بأسم" منية عقبة " و كلمة منية لان ارضها كانت تقع فى ذلك الوقت على الشاطىء الغربى للنيل قبل تحوله للشرق .. ثم تحرفت الكلمة مع مرور الوقت حتى أصبحت ميت عقبة نسبة الى مؤسسها و منشأها . توفى عقبة بن عامر الجهنى سنة 58 هجريا و شاء القدر ان يتوفى فى الثامن من شعبان فى نفس يوم وفاة السيدة عائشة رضى الله عنها .. و تم دفنه بالأمام الليثى بالقرب من منطقة الامام والسيدة عائشة ومنطقة البساتين .
و ظل قبره محل عناية من الولاة حتى جاء صلاح الدين الأيوبى .. فقام بهدم المكان المقام على قبره و أنشأ قبة كبيرة تولاها الملوك من بعده بالتجديد و الترميم .
---------------
تاريخ فرعونى
---------------
و كأن الزمالك له تاريخ فرعونى لأن كلمة ميت (تعنى طريق بالفرعونية ) .. و هكذا أصبحت منطقة ميت عقبة متداخلة بين الجغرافيا و التاريخ ..لم يستطيع الزمالك الأنسلاخ من بيئته و ظل يتمحور فى تنقلاته حول نهر النيل .. و جمعت بيئته بين الأحياء الأرستقراطية مثل الزمالك و المهندسين .. و بين الأحياء الشعبية مثل ميت عقبة ..و الدليل على شعبيته انك ترى فيه بعض الأعضاء " المؤثرين " يحرصون على التواجد اليومى بالجلباب البلدى و الرأس تكسوها العمة البيضاء .. فى الوقت الذى يستحيل فيه تواجد هؤلاء الأعضاء بذلك الزى الوطنى فى أندية مماثلة كالجزيرة و الأهلى و هليوبلس و الشمس والاهلى.. والزمالك هو نموذج صغير من المجتمع المصرى..تجد فيه المدير وسائقه عضوين لهما مميزات واحدة لافرق بين غنى وفقير..أحيانا تتصاعد لغة الحوار داخل نادى الزمالك و تبدو للبعض انها كثيفة و محملة بالدخان ..لكنها فى الحقيقة لغة العقل الواحد فى الجسم الواحد .. لغة تفتح زراعيها للجميع بدون تعصب..لغة المجتمع المصرى فى صورة مصغرة .. أنها مثال حى على الديمقراطية و حرية الحوار قبل أتخاذ القرار.
--------------
الفكرة والبداية
---------------
مع نهاية القرن التاسع عشر رأت بعض القوى الوطنية و الجاليات الأجنبية ضرورة تأسيس بعض الأندية لتكون مقرا للتجمع و تبادل المشورة و الترفيه ..و تكون بالفعل بعضها مثل التوفيقية و الجزيرة .
صاحب ذلك القرار الذى اصدره محمد زكى باشا وزير المعارف عام 1896 بأدخال مادة التربية البدنية كمادة أساسية فى المدارس على اختلاف درجاتها ..و هذا القرار كان له صدى طيب فى لفت الأنظار لتلك العلوم القادمة بجوار الدراسات الأدبية و العلمية .
من الطريف أنه فى عام 1902 هاجمت صحيفة الأهرام سكرتير نظارة المعارف الشهير المترونلوب بدعوى البدعةا لدخيلة على التعليم .. كانت تلك البدعة هى الرياضة البدنية فى المدارس .. و أستدلت على ذلك بمشاجرة بين تلاميذ فى مدرستى طنطا و المنصورة بعد مباراة فى كرة القدم تعدى بعض" العصبجية " على تلاميذ مدرسة طنطا و بعض المتفرجين .
و يبدو أن أحمد بك شوقى أمير الشعراء قد أقتنع بهذا الرأى فنظم قصيدة بمناسبة أنتهاء عمل أشهر معتمد بريطانى فى مصر و عنوانها "وداعا اللورد كرومر " جاء فيها :
هل من نداك على المدارس ..أنها تذر العلوم و تأخذ ( الفوتبولا ) لكن لا الاهرام ولا اشعار شوقى جعلت الشعب يتنازل عن ممارسة الرياضة وخرجت فكرة تاسيس بعض الاندية الرياصية لممارسة النشاط ومن هنا كانت حكاية نادى الزمالك وعشرات الاندية الاخرى
-----------------
الفكرة ترى النور
-----------------
مع بداية القرن العشرين كانت تقام المسابقات فى كرة القدم بين فرق مصرية و فرق أجنبية .. و فى مارس 1914 تم تنظيم مسابقة بين طلبة المدارس على كأس أحمد حشمت باشا ناظر المعارف حينئذ .. و ظهر فريق الموظفين بالاسكندرية الذى تحول الى الأولمبى ..فى 5 مايو 1916 لعب الفريق المصرى ضد الأحتلال الانجليزى الذى فاز 4/2 ..و نتيجة للمجهود الكبير الذى قام به الكابتن حسين حجازى تم تأسيس أتحاد الكرة عام 1921 برئاسة جعفر باشا ..و فى 18 أكتوبر 1922 قررت اللجنة العليا لأتحاد الكرة وضع شروط لقبول الأندية و الهيئات فى عضوية الاتحاد ..و فى 25 أكتوبر 1922 قررت اللجنة تشكيل أول لجنة للحكام من محمد صبحى و اسماعيل يسرى و حسي حجازى و يوسف محمد و رياض شوقى و ابراهيم علام و على صادق .. و الطريف ان 7 أندية فقط كانت لها شرف تأسيس الأتحاد و هى الزمالك و الاهلى والاولمبى و السكة الحديد و الترسانة و بنها و الزقازيق .. و فى ديسمبر 1922 تم تشكيل أول منتخب فى تاريخ مصر من محمود مرعى و فؤاد الجميل و محمد السيد و رياض شوقى و على الحسنى و عبد السلام حمدى و أحمد خلوصى و عبد اللطيف الحسنى و خليل حسنى و حسين حجازى و السيد أباظة و تركى عثمان و محمد جبر و على رياض و كامل عبد ربه .
-------------
الفكرة 1910
---------------
فى مايو 1910 رأى جمهور من القضاة و المستشارين و معهم كبار الموظفين فى المحاكم المختلطة ضرورة تأسيس ناد يتداولون فيه الأراء و المشورة و التلاقى والرياضة ايضا و أستمر الجدل بينهم حتى جاءت بداية 1911 وتم الأتفاق على اشهاره تحت اسم نادى قصر النيل نظرا لموقعه الجغرافى فى المكان الذى كان يشغله حينئذ مكان كازينو النهر حاليا بالجزيرة..وتراسه البلجيكى مرزباخ..لم يستمر النادى فى موقعه على النيل سوى عامين فقط وفى عام 1913 ونظرا لكثرة اعضائه رؤى نقله الى موقع اخر فى قلب القاهرة فى المكان المقام به حاليا دار القضاء العالى والشهر العقارى ونقابة الصحفيين ونقابة المحامين ونادى القضاة وجزء من شارع رمسيس مع شارع 26 يوليو..ومع تزايد الاعضاء واختلاف الهوية من الوطنيين والاجانب وفتح الملاعب لكل الجنسيات بدون استثناء تم استبدال الاسم الى نادى المختلط
--------------------
ثورة 1919
--------------------
وفى الوقت الذى كان فيه فئات الشعب المختلفة تغلى استعدادا لثورة 1919 كان اعضاء نادى المختلط من الوطنيين على درجة عالية من الوطنية عندما قرروا تمصير النادى..وتم طرد رئيسه الاجنبى فى ذلك الوقت مسيو بيانكى وسكرتيره شودواه وكان ذلك بمثابة الشرارة التى سبقت ثورة 1919..كان المجلس يدير النادى بطريقة ارتجالية حتى ان الجمعية العمومية لم تنعقد لسنوات طويلةوكان الحل هوزيادةعدد الاعضاء من المصريين حتى تكون لهم الغلبة عند انعقاد الجمعية العمومية..وبالفعل تم اجراء الانتخابات التى جاءت بمجلس مصرى صميم تراسه الدكتور محمد بدر
------------------
الرد على المؤامرة
------------------
كان من الطبيعى ان يغضب الرئيس المخلوع وسكرتيره المطرود واعوانهما من تلك الثورة الوطنية الوليدة داخل الصرح المصرى ..وفكر هؤلاء فى مؤامرة من اجل الانتقام ورد الاعتبار من خلال اتلاف بعض سجلات النادى واخفاء البعض الاخر وكلها كانت فى حوزيتهما ..كان ذلك من اجل احراج مجلس الادارة الجديد واظهار عدم قدرته على ظبط الامور لكن هيهات
كان الدكتور محمد بدر رئيس النادى الجديد على درجة من الوعى واحترام القانون وتم اخطار النيابة العامة التى تولت التحقيق واعادت السجلات المفقودة الى المسئولين بالنادى وكان رد الفعل حازما وقويا وتم تغيير بطاقات العضوية واستبدالها ببطاقات جديدة منحت للاعضاء المصريين فقط وتم استبعاد الاعضاء الاجانب واصبح النادى للمصريين فقط
ليس هذا فقط..بل تطوع 30 رجلا صعيديا اقوياء البنية مفتولى العضلات لحراسة النادى ومتابعة بواباته وتعلم الدخلاء درسا فى الوطنية من المصريين ورحل بيانكى وانصاره الى غير رجعة..هكذا روى لنا محمد عاصم فى كتابه90 سنة زمالك
-------------------
حدوتة مصرية
-----------------
لكن..ماذايقول سمير عبد العظيم عند الحديث عن تاريخ الزمالك..التفاصيل فى السطور التالية:
خدعوك فقالوا أن نادى الزمالك نشأ فى أحضان الأجانب ، حتى وإن كان ظاهر الأمر يقول ذلك إلا أن القارئ المتأنى لتاريخ كرة القدم يتأكد من حقيقة مؤداها أن الزمالك ناد وطنى من الدرجة الأولى يشهد جدرانه أول ثورة بمعناها الحقيقى ضد الاستعمار عندما هب أعضاء النادى عام 1917 تلهب حماسهم مشاعر الوطنية الصرفة وقرروا طرد الأجانب نهائيا وكان ذلك عام 1917 أى قبل الثور الكبرى عام 19 بعامين .
وتاريخ نادى الزمالك هو حدوتة مصرية بمعنى الكلمة سطر حروفها أولاد البلد " الجدعان " الذين قام على أكتافهم النادى بعد أن وجدوا أنفسهم خارج الصورة فالأرستقراطيون من أبناء مصر كان يجمعهم النادى الأهلى .. أما الجاليات الأجنبية فكان لها الجزيرة والنادى اليونانى والسكة الحديد وغيرها من الأندية التى شهدتها السنوات الأولى من القرن العشرين ..وكان عام 1911 على موعد مع الفكرة بإقامة ناد قادر على استيعاب الطبقة العريضة من المصريين ومعهم كذلك الموظفون الأجانب الذين ليس بإمكانهم الانضمام لأندية الصفوة وبدأت الفكرة تتردد على ألسنة الوطنيين من أبناء البلد ومعهم بعض الأجانب وتحمس لها البلجيكى مارزباخ المستشار الأجنبى فى المحكمة المختلطة وكان – فى ظل الواقع السائد وقتها – هو الأقدر على ترجمتها إلى واقع ملموس وبدأ بالفعل خطوات اتخاذ النادى الذى اتخذ مكانا له مكان كازينو النهر حاليا وكان باسم نادى قصر النيل .. بعدها بعام واحد انتقل إلى وسط القاهرة فى الموقع الذى يشغله مبنى دار القضاء العالى حاليا فى تقاطع شارعى رمسيس و26 يوليو واتفق أعضاؤه على تسميته بالمختلط . ثم أجريت أول انتخابات لمجلس الإدارة وتولى مارزباخ رئاسة المجلس .
--------------------