من المشكلات الاجتماعية التي قد تمر بها الكثير من المراهقات مشكلة
فقدان الأم، وخاصة إذا لم يحدث ذلك في مرحلة مبكرة من العمر، ولكن في فترة
الانتقال من عالم الطفولة إلى عالم الأنوثة، وهي أكثر فترة تحتاج فيها
الفتاة لرعاية وحنان أمها.
فماذا تفعلين إذا وجدت نفسك في مثل هذا الموقف، وبعد فقدانك لوالدتك،
لعب والدك دور البطولة بكل جدارة في حياتك، وحاول بكل ما يستطيع من وقت
وجهد إخراجك من أحزانك، وأغدق عليك حنانه ورعايته لفترة طويلة، ثم فجأة
تغير الموقف تماما. فقد دخلت سيدة أخرى في حياته، وتزوج، وتوجه بكل حنانه
واهتمامه ووقته إليها بشكل كامل، دون أن يعيرك أنت أي اهتمام، أو يخصص لك
بعضا من وقته ورعايته؟
إنها مشكلة عويصة ولا شك، خاصة بعد أن أصبح ارتباطك بأبيك كبيرا في
الفترة الماضية، وكنت تحتلين المركز الأول في حياته. لكن لحل هذه المشكلة
عليك في البداية أن تكوني منصفة، وتقيمي الموقف بشكل موضوعي بعد أن تجيبي
على السؤال التالي: هل تقصير والدك في الاهتمام بك حقيقي أم أنها مجرد
هواجس لديك وإحساس مراهقة بالغيرة من زوجته الجديدة التي قد تشد البساط من
تحت قدميك تدريجيا وتصبح هي في دائرة الاهتمام؟
وإذا كان ما تشعرين به حقيقي تماما وليس خيالا في رأسك، فهل هذه السيدة
الوافدة على منزلكم مسئولة فعلا عن ذلك، وتتعمد إبعاد والدك عنك، أم أنها
فعلا سيدة محترمة تحسن معاملتك وتحترم وضعك كفتاة فقدت والدتها، وتحرص على
إقامة علاقات طيبة معك، قائمة على الود والاحترام المتبادل؟
أتمنى لأي فتاة تعاني من مثل هذه المشكلة أن يكون الوضع كذلك، وألا تكون
الزوجة الجديدة للأب مسئولة عن تقصيره تجاه ابنته، لأن الحل في هذه الحالة
سيكون أسهل كثيرا. فالأمر في هذه الحالة لن يتعدى مجرد إحساس مؤقت
بالأنانية من جهة الوالد، دفعه لتوجيه كل اهتمامه للسيدة التي دخلت حياته
ولزواجه ومسئولياته الجديدة، مما جعل الابنه تسقط من حساباته دون أن يدري.
وهنا عليك أن تتخلصي تماما من أي شعور بالأنانية، بمعنى ألا تطلبي من
والدك أبداً بشكل مباشر أو غير مباشر أن يهمل زوجته الجديدة لأجلك، فقط
أفهميه أنه من حقك أن يكون لك في وقته واهتمامه ورعايته نصيب، دون أن يكون
ذلك على حسابها، والعكس صحيح. فأنت وهي، لكل منكما الحق في جزء مخصص من
حنانه واهتمامه، ومكان لا تستطيع الأخرى أن تملأه.
إذا تصالحت مع نفسك، ووصلت بتفكيرك لهذه النقطة، فأنت بالفعل أكثر نضجاً
وإدراكاً لحقائق الأمور، من الكثير من الفتيات الأخريات في مرحلة
المراهقة. فأنتِ لا تطالبين إلا بحقك المشروع في حب واهتمام ورعاية والدكِ،
مع الاعتراف في الوقت نفسه بحق زوجته الجديدة في نفس الأمور، كما أن
الغيرة لم تتملككِ بحيث تشعري بالرغبة في إفساد العلاقة بين والدكِ وزوجته
أو إبعاده عنها وجذبه إليكِ بشكل كامل.
وهنا يكون طلبك عادلاً ومشروعاً للغاية، يبقى فقط أن تتحلي بالشجاعة
والذكاء في عرضه على والدكِ، ولا تدعي أن الخجل أو الإحساس المبالغ فيه
بالكرامة يمنعانك عن ذلك.
إنكِ تعرفين بالطبع أن والدكِ لا يملك قدرة سحرية على قراءة ما يدور
بذهنكِ، دون أن يسمعه في صورة كلمات تخرج من بين شفتيكِ! لذا يجب أن تجعليه
يعرف حقيقة مشاعركِ، ومدى احتياجكِ لاهتمامه، لكن من المهم جداً أن تنتقي
كلماتكِ، وأن تكوني لبقة وذكية في عرض مطالبكِ. فلا تقولي له مثلاً: "إنك
تهتم بزوجتك الجديدة أكثر مني"، لكن بادريه بقبلة حانية على وجنته في
الصباح، قائلة: "أفتقدك كثيراً يا أبي. لم أعد أراك بما يكفي كالسابق، لذا
أنا في قمة السعادة الآن لوجودك معي، وستزداد سعادتي إذا شاركتني فعل أي
شيء، كالخروج في نزهة أو مشاهدة التلفاز أو الذهاب إلى النادي.. أنا وأنت
فقط".
هذه الكلمات الصادقة الرقيقة لابد وأن تكون كافية للفت انتباه الأب،
وجعله يُفكر ويُدرك أنه مخطيء في حقكِ، وأنه محظوظ لأن الله قد أنعم عليه
بابنة مثلكِ تحبه كل هذا الحب.
لكن إذا فعلت ما أوصيناك به، ولم ينتبه والدكِ، ولم يغير من موقفه
تجاهكِ، قومي بطباعة هذا المقال، وضعيه على مكتبه أو في أي مكان تضمنين أنه
سيراه فيه، وأرفقي معه رسالة صغيرة هذه كلماتها:"أبي الحبيب.. أعترف أن
هذا بالضبط هو ما أشعر به".