أيها الإخوة الكرام: بادئ ذي بدء أن الله سبحانه وتعالى لخص في القرآن الكريم دعوة جميع الأنبياء من دون استثناء.
فقال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)
[سورة الأنبياء: الآية 25]
فالإسلام عقيدة وشريعة، إيمان وعمل، العقيدة ملخصة بلا إله إلا الله، والعمل ملخص بالعبادة،
لذلك قالوا:
نهاية العلم لا إله إلا الله، ونهاية العمل عبادة الله
فمن عرف أنه لا إله إلا الله وعبده فقد حقق المراد من وجوده، وحقق الهدف من خلقه:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)
والعبادة بالمفهوم الواسع لا بالمفهوم الضيق غاية محبة الله، وغاية
الخضوع له، وغاية التقرب إليه، وغاية التوكل عليه، طاعة طوعية، ممزوجة
بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، وهي علة وجودنا.
وللتوضيح نمثِّل بتاجر يسافر إلى بلد أجنبي كي يعقد صفقة، ويعقد على هذه
الصفقة كل الآمال، فإذا سافر إلى هذا البلد كانت علة وجوده في هذا البلد أن
يعقد هذه الصفقة، وإلا لا معنى لوجوده، ولا معنى لتجشم مشاق السفر، ولا
معنى لدفع نفقات السفر، علة وجوده أن يعقد هذه الصفقة، والطالب الموجود في
بلد لينال الدكتوراه علة وجوده تحصيل هذه الشهادة.
أدق فكرة أيها الإخوة أنك حينما تكون واعياً لعلة وجودك في أي مكان تأتي
حركتك صحيحة، بل إن أدق أدق الجزئيات في حركتك اليومية ينبغي أن ترتبط
بهدفك الكبير، كيف؟ ذكرت هذا سابقاً، أنت بلد آخر من أجل نيل الدكتوراه كل
حركة من حركاتك متعلقة بهدفك، تبحث عن بيت قريب من الجامعة، تصاحب صديقاً
يتقن اللغة التي تدرس بها لكي تتعلمها بسرعه، تشتري مجلة تتعلق باختصاصك،
تذهب إلى المعرض من أجل أن ترى الإنجازات العلمية مما تتعلق به دراستك، فكل
حركة، وكل سكنة متعلقة بهذا الهدف الكبير،
الله خلقنا ليُسعدنا:
نحن في الأرض علة وجودنا عبادة الله، أي أن نعرفه، ثم نعبده، ثم نسعد بقربه
والحقيقة الدقيقة أن علة خلقنا أن نسعد، خلافاً لما يتوهم معظم الناس،
ومعظم الناس يتوهم أن الله خلقنا ليعذبنا، يرى مصائب، وأمراضًا، وحروبًا،
وفتنًا، ودمارًا، وقتلا، واضطهادًا، فيتوهم خطأ كما يوسوس له الشيطان أن
الله خلقنا ليعذبنا، تماماً كطالب في مدرسة قصر تقصيراً شديداً، فأنزلت به
بعض العقوبات فقال: إن هذه المدرسة إنما أنشئت لتعذيب الطلاب، لا يا سيدي،
إنما أنشئت لتعليم الطلاب، أنشئت لتهذيبهم، أنشئت ليكونوا قادة لأمة، أنشئت
ليكون الطلاب علماء، أنشئت ليكون الطلاب أخلاقيين، هذه أهدافها الكبيرة،
أما إذا قصر الطالب أوسمح لنفسه أن يقصر، أو أن يعتدي على غيره تنزل به
العقوبات، ولكن ليس الأصل في هذه المؤسسة إيقاع العقوبات بالطلاب، الأصل
التعليم والتهذيب والتربية.
الله عز وجل قال:
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)
[سورة هود: الآية 119]
خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم، خلقهم لينعموا بجنة عرضها السماوات والأرض:
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)
هذا هو الاتجاه الصحيح في الدين، ولو كنت في آخر الزمان، ولو رأيت
المصائب تترا، ينبغي ألا تتزعزع عقيدتك من أن الله خلق عباده ليسعدهم،
لكنهم عصوه، لكنهم تفلتوا من منهجه.
أركان لا إله إلا الله:
أيها الإخوة الكرام: كلمة التوحيد لا إله إلا الله فيها ركنان، فيها نفي لا إله، وفيها إثبات إلا الله.
لا إله، هذه (لا) نافية للجنس؟ أي ليس في الكون إله إلا الله، لا معطي، ولا
مانع، ولا رازق، ولا خافض، ولا رافع، ولا معز، ولا مذل، ولا متصرف إلا
الله، لا إله إلا الله،
الله علم على الذات، صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، الله واجب
الوجود، وما سواه ممكن الوجود، إذاً هناك نفي وإثبات، لا إله إلا الله.
هذه الكلمة خفيفة على اللسان، لكنها ثقيلة في الميزان، خفيفة على اللسان،
لا إله إلا الله أما هي فثقيلة في الميزان، إذا أيقنت بمعناها الدقيق،
وأنه لا معبود بحق إلا الله، ولا أحد يستحق العبودية إلا الله، لكنت في
منجاة من هموم ساحقة لا تنتهي.
أيها الإخوة الكرام: أركان هذه الكلمة نفي وإثبات، لا إله إلا الله، والحديث الذي تعرفونه، والذي أردده كثيراً،
فعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ
تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى
اللَّهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ
عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا….
الله له حق عليك ؛ أن تعبده، أن تطيعه، أن تأتمر بأمره، أن تنتهي عما
عنه نهاك، أن تتوكل عليه، أن تتوجه إليه، أن تثق به، أن تحبه، حق الله على
عباده أن يعبدوه، فسأله مرة ثانية،
…ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ
جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ
تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ….
والله أيها الإخوة لولم يكن في السنة إلا هذا الحديث لكفى، هذا الحديث يملأ قلب المؤمن طمأنينة، ويملأ قلب المؤمن ثقة بالله عز وجل،
… قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ.
[البخاري، مسلم، الترمذي، أبوداود، ابن ماجه، أحمد]
أنت معك ضمانة من الله ألا يعذبك إذا عبدته، وبشكل مختصر ما دمت تحت
مظلة الله عز وجل فأنت في أمن وسلام، مختصر ما دمت تحت مظلة الله عز وجل
فأنت في بحبوحة، مختصر ما دمت تحت مظلة الله عز وجل فأنت في حمى الله،
لذلك:
إذا قلت: الله تولاك الله عز وجل، وإذا قلت: أنا تخلى الله عنك، وأنت بين التولي والتخلي
قل: أنا ولوكنت صحابياً لتخلى الله عنك، لن نغلب من قلة، تخلى الله عنهم:
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا
رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)
[سورة التوبة: الآية 25]
في بدر قالوا: الله فتولاهم الله، هذا الامتحان تمتحن به كل يوم، تقول:
أنا ابن عائلة، خير إن شاء الله، تقول: أنا معي شهادة عليا، أنا تاجر مر،
ترتكب حماقة بالتجارة فتفلس، حينما تعزو قدراتك إلى ذاتك فقد وقعت في الشرك
الخفي، في أيّ مجال ؛ إن كان في العمل الجراحي، إن كان بالدعوة إلى الله،
إن كان بالخطابة، إن كان بالتدريس، إن كان بالصناعة،
أخ من إخوانا يكاد يكون الأول في إصلاح الحواسيب الصناعية، وقضاياه سهلة
جداً، متفوق تفوقاً كبيراً، مرة طلبه معمل فطلب مبلغاً، فصاحب المعمل بالغ
في محاككته فتضايق منه قال له: هذا المبلغ لا آخذ أقل منه، أنا لست بحاجة
إليك، أنت بحاجة إلي، وانصرف، بعد يوم اتصل به صاحب المعمل، وقال له: تعال،
وأصلح هذا الحاسب، قال لي: بالعادة ساعة وتحل معي المشكلة، مرت ساعة،
ساعتان، ثلاث، أربع، ثماني ساعات، مضى النهار، والطريق مغلق، ثاني يوم،
ثالث يوم، رابع يوم، خامس يوم، سادس يوم، سابع يوم، ولم يصلح، الطريق مغلق،
قال له: أريد أن أغيب يوماً، قال لي: غبت يوماً، وراجعت نفسي، أنا ماذا
فعلت؟ ما الذي قلته، وليس فيه أدب مع الله حتى أستحق هذا الإغلاق، تذكر أنه
قال له: أنا لست بحاجة إليك، لكنك بحاجة إلي، اعتد، استغفر، واسترجع،
وتاب، ودفع صدقة، فثاني في يوم ربع ساعة انحلت المشكلة، بأي مجال تقول: أنا
يتخلى عنك، قل الله يتولاك، أنت بين التولي والتخلي.
فلذلك أيها الإخوة، لمجرد أن تقول الله، وأن تعبده فأنت في حمايته وأنت في
رعايته وأنت تحت مظلته، وأنت لك معاملة متميزة، والله عز وجل يتولاك
بالرعاية والتوفيق والتأييد والنجاح، وهذا معنى قوله تعالى:
(وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)
[سورة الأنفال: الآية 19]
معهم بالتوفيق،ومعهم بالتأييد، ومعهم بالنصر، ومعهم بالحفظ، يحفظك ويؤيدك وينصرك ويتولاك.
إذاً هناك ضمان من الله أننا إذا عبدناه لن يعذبنا، لنا حق على الله بشرط أن نعبده ألاّ يعذبنا.
شروط لا إله إلا الله:
أيها الإخوة: هذه أركانها فما شروطها؟
1. العلم بها:
الشرط الأول لكلمة لا إله إلا الله العلم بها، لا يقبل الله من إنسان عقيدة
بالتقليد، ولوكانت صحيحة، لأنك إذا قلدت في العقيدة تكون مقاومتك هشة، لا
تصمد أمام إغراء وضغط، أقل إغراء يخرجك عن طاعة الله، وأقل ضغط يخرجك عن
طاعة الله، أما إذا بنيت عقيدتك على علم وعلى بحث وعلى درس وعلى دليل وعلى
فقه هذا الإيمان المطلوب، الإيمان التقليدي مرفوض، بل لو أن الله قبل من
عباده عقيدة بالتقليد لكانت كل الفرق الضالة على حق، وناجية عند الله، أليس
كذلك؟ ماذا يقولون يوم القيامة؟ يا رب سمعنا فلاناً يقول فصدقناه، نحن
قلدناه، لا تقبل عقيدة التوحيد تقليداً، لا تقبل إلا تحقيقاً، لا تقبل إلا
عن بحث ودرس، لا تقبل عن استسلام ساذج، لا تقبل إلا عن علم، والدليل:
قال تعالى:
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)
[سورة محمد: الآية 19]
الحقيقة يوجد علاقة رائعة بين قوله تعالى:
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)
وبيــن:
(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)
من رأى شيئاً يسره فليحمد الله، ومن رأى غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه،
فليستغفر ربه، هل ترى هذه الحقيقة، لا تدع يأساً، ولا حقداً، ولا قهراً، إن
جاءت الأمور كما تتمنى فاحمد الله، وإن لم تأت كما تتمنى فاستغفر لذنبك،
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)
الأمر بيد الله عز وجل.
فإذا كنا نعاني من مشكلة كبيرة فلنستغفر لذنوبنا، لأنه ما نزل بلاء إلا
بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، على مستوى أفراد وعلى مستوى جماعات،
النقطة الدقيقة أن عقيدة التوحيد لا تقبل تقليداً، لا تقبل إلا تحقيقاً وبحثاً ودرساً.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ مَاتَ وَهُويَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ
[البخاري، مسلم، أحمد]
هذا الشرط الأول أن تعتقد التوحيد عن علم وبحث ودرس لا عن تقليد.
2. اليقين بها:
لكن أحياناً عندك عقيدة لا بأس بها، لكن لست متأكداً، لا يوجد يقين، قال الشاعر:
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات، قلت إليكما
أي لا يوجد آخرة:
إن صح قولهما فلست بخاسر أوصح قولي فالخسار عليكما
هذا فيه ريب، اليقين لا يحتمل الريب أبداً، اليقين قطعي، يوجد وهم
ثلاثين بالمئة، يوجد شك خمسين بالمئة، يوجد ظن ثمانين بالمئة، يوجد غلبة ظن
تسعين بالمئة، هذا كله يتناقض مع الإيمان، الإيمان قطع بالمئة مليون، فلا
يكفي أن أكون مؤمناً، ولكن لست متأكداً، ينبغي أن أكون مؤمناً يقيناً،
يقيناً قطعياً، والدليل أن الله سبحانه وتعالى يقول:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)
[سورة الحجرات: الآية 15]
لم يرتابوا:
وقال تعالى أيضاً:
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)
[سورة الأحزاب: الآية 23]
باليقينيات، والآن قد تجد العالم كله يحارب المسلمين، أينما ذهبت إلى أي
مكان بالأرض المسلم محارب هل يتضعضع يقينك أن هذا الدين ليس دين حق؟ لا
والله، هو الدين الحق، وهو الدين الذي سيظهره الله على الدين كله، ولو كره
الكافرون، هذا هو الدين الحق، ولو أن أهل الأرض جميعاً حاربوه لأنه دين
الحق يحارب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ قَالَ فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ… فَقَالَ
عِنْدَ ذَلِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا
دَخَلَ الْجَنَّةَ
[مسلم، أحمد]
العلم واليقين، أحياناً تسأل طالباً سؤالاً يأتيك بالجواب الصحيح قد
تشعر كفاحص أن هذا الجواب الصحيح رمية من غير رام، وقد تشعر أنه قالها
صدفة، فتحاول أن تغالطه، فإذا كان غير متأكد سريعاً ما يتخلى، يتكلم كلاماً
آخراً خطأ، معنى ذلك لا يكفي أن تأتي بالصحيح، ينبغي أن تكون متأكداً. فلا
يكفي أن تعلم أن لا إله إلا الله، أن تقول: لا إله إلا الله، ولوكنت تحت
سياط الجلادين، كسيدنا بلال الحبشي، كان يقول: أحَد أحَدٌ، وهو يتلقى
التعذيب، أن تؤمن أنه لا إله إلا الله، وأمامك سبائك الذهب اللامعة تقول:
معاذ الله أن أخون ديني، وأن تقول: لا إله إلا الله وأنت تحت سياط الجلادين
اللاذعة، هذا الإيمان الذي يصمد أمام الإغراء تارة، وأمام الضغط تارة
أخرى.
3. الإخلاص:
شروط هذه الكلمة: كلمة التوحيد، كلمة الإسلام الأولى لا إله إلا الله أن
تكون مخلصاً في النطق بها، والإخلاص أيها الإخوة من أين يؤتى؟ من أين
يشترى الإخلاص؟
• الإخلاص محصلة دينك كله:
لو أن شخصاً سأل طبيباً متفوقاً جداً قال له: بربك لي عندك طلب صغير
جداً، قال له: تفضل، قال له: علمني كيف أكتب الوصفة؟ تبسم الطبيب قال له
كتابة الوصفة محصلة كتابة ثلاثة وثلاثين سنة، بعد دراسة ثلاثا وثلاثين سنة
تكتب للمريض وصفة صحيحة، فهذا الأخ طلب شيئاً بسيطاً جداً، فقط يتعلم كيف
يكتب الوصفة!؟
فالإخلاص محصلة إيمانك كله، محصلة جهاد نفسك وهواك، محصلة صلاتك، محصلة
توحيدك وإيمانك بالربوبية، محصلة عملك الصالح، الإخلاص نهاية النهاية،
فلذلك محصلة دينك كله إخلاصك لله عز وجل.
• المخلص لا يتأثر بالمديح ولا بالذم:
بالمناسبة أيها الإخوة: المخلص لا يتأثر بالمديح إيجاباً، ولا يتأثر بالذم سلباً، يبتغي وجه الله، ولا يعبأ، امدح أم لم يمدح:
قال تعالى:
(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً)
[سورة الإنسان: الآية 9]
• المخلص لا يتغير عمله في خلوة عن جلوة:
هو في الخلوة وفق منهج الله، ومع الناس وفق منهج الله، لا يتغير سلوكه
بإقامة أو بسفر، قال لي شخص: يوجد إنسان دينه جغرافي، أي في بلده منضبط،
أما إذا سافر إلى بلاد أخرى لا ينضبط، فعلامة الإخلاص ألاّ يتبدل عملك لا
بالمكان ولا بالزمان، ولا بالخلوة ولا بالجلوة، ولا بالمديح ولا بالذم.
علامة إخلاصك أنك إذا عملت عملاً يرضي الله شعرت بالسكينة في قلبك، لأن الله أعاد عليك إخلاصك سكينة ألقاها في قلبك.
مثلاً من تعلم العلم ليجادل به العلماء، أوليماري به السفهاء، أوليصرف وجوه الناس إليه فليتجهز إلى النار
• منعكسات الإخلاص:
قال سيدنا الصديق لسيدنا عمر: يا عمر ابسط يدك لأبايعك ، قال له: أنا،
أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا كنت أميراً على قوم فيهم أبوبكر، قال له:
يا عمر أنت أقوى مني، قال له: يا خليفة رسول الله أنت أفضل مني، فقال له
عمر قوتي على فضلك نتعاون.
أخوانا الكرام: الإخلاص له منعكسات رائعة، أحد منعكساته التعاون، أحد
منعكساته التواضع، أحد منعكساته حمل هم الناس، أحد منعكساته أن المخلص يضحي
بمصلحته الخاصة مقابل صالح المسلمين العام، هذا المخلص، لذلك قال تعالى:
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ)
[سورة البينة: الآية 5]
• الإخلاص عبادة القلب:
العبادة نوعان ؛ عبادة الجوارح، وعبادة القلب، عبادة الجوارح أن تصلي، وأن
تصوم، وأن تحج، وأن تزكي، وأن تغض البصر، وعبادة القلب الإخلاص، الإخلاص
ينفع معه كثير العمل وقليلة، وعدم الإخلاص لا ينفع معه لا كثيره ولا قليله،
الإنسان دون أن ينتبه بفلتة لسان يشف عن عدم إخلاصه، إذا كانت له مكانة
معينة في مجتمع، وظهر من بيته مخالفة شرعية لا يتألم أن هناك مخالفة، ماذا
يقول الناس عني فقط؟ لو أن هذه المخالفة ارتكبت دون أن يعلم الناس بها فلا
مشكلة عنده أبداً، المشكلة ماذا يقول الناس عني؟ هذا عدم إخلاص.
صلى إنسان خلف الإمام في الصف الأول، وأدرك التكبيرة الأولى أربعين عامًا
في صلاة الفجر، فلما فاتته الصلاة في المسجد في أحد الأيام تألم ألماً لا
حدود له، قال: ماذا يقول الناس عني في هذا اليوم؟ معنى ذلك أن عمل أربعين
عامًا لا قيمة له عند الله، فشتان بين أن تعمل للناس، وبين أن تعمل لله،
اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
• قول رسول الله على أن الإخلاص من شروط لا إله إلا الله :
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ
بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا
يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ
مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ
أَونَفْسِهِ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً:
أنه من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
… فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ
[متفق عليه]
4. صادقاً في قولها وفي العمل بها:
من شروط لا إله إلا الله أن تكون صادقاً في قولها، وفي العمل بها، لأن
هناك كلامًا لا معنى له، قد تسأل ملحدًا: كيف صحتك؟ يقول لك: الحمد لله،
هذا الملحد ينكر وجود الله، فكيف يحمد الله عز وجل؟! هذا الكلام ليس له
معنى، هذا مثل كثيرٍ من الكلام يقوله الناس لا معنى له إطلاقاً، وأحيانا
هذه الكلمة العظيمة التي هي كلمة الإسلام الأولى قد يرددها الناس دون أن
يفقهوا معناها، لا إله إلا الله ينبغي أن تكون صادقاً في قولها، وصادقاً في
العمل بها، لو أجبرك قوي على معصية وتقول أنت لا إله إلا الله صادقاً في
قولها لا يمكن أن تقبل، ولو كان التهديد في حياتك،
سيدنا بلال كان يقول: أحدٌ أحد
لو قلت: لا إله إلا الله صادقاً في قولها لا يمكن أن تطيع مخلوقاً وتعصي
خالقاً، لوقلت: لا إله إلا الله صادقاً بها لا يمكن أن تبتغي وسيلة غير
شرعية إلى هدف مشروع، أما ما يقوله الناس: إن الغايات تبرر الوسائل، هذا
كلام شيطاني.
أيها الإخوة: الصدق أن تكون صادقاً في قولها وأن تعتقد بها اعتقاداً جازماً، أن تعمل بها يؤكد صدقك في قولها أنك تعمل بها،
أنا ذكرت هذا المثل مرات عديدة، لوأنك ذهبت إلى طبيب، وكنت ذكيا لبقاً
اجتماعياً، وعالجك، ووصف لك وصفة، وأنت فيما بينك وبين نفسك تعتد بعلم هذا
الطبيب، فصافحته، وأثنيت عليه، وشكرته بحرارة، ودفعت له الأجر، وأخذت
الوصفة، لكنك لم تشتر الدواء، ولم تعبأ بتوجيهاته، إنك تكذبه مع كل
الاحترام والتبجيل الذي قدمته له، هذا التكذيب اسمه التكذيب العملي، مع كل
الوقار والتبجيل الذي منحته لهذا الطبيب لأنك لم تفكر أن تشتري الدواء
الذي وصفه لك فأنت تكذبه تكذيباً عملياً،
وأنا أقول لكم أيها الإخوة: التكذيب اللفظي قلّما نجده في العالم الإسلامي،
لا تجد إنساناً مسلماً يقول لك: ليس هناك آخرة، لكن لأن عمله لا يتناسب مع
الآخرة إطلاقاً، لأن كسبه للمال لا يتناسب مع يوم الحساب، لأنه اختيار عمل
في أصله لا يرضي الله لا يتناسب مع الآخرة، لأن طريقة سلوكه لا تؤكد أنه
يخاف الله عز وجل، فالكلام ليس له قيمة أبداً، ونحن في عصر ذهبي للكلام
المنمق كلمات رنانة، مشاعر طيبة، مشاعر الأسى والحزن في المناسبات الحزينة،
توفيت قريبة أحد الأشخاص، وهي بخيلة جداً، وهو وريثها الوحيد، وتركت
الملايين المملينة، طبعاً بحسب التقاليد لبس الأسود، وأطل لحيته، وبدا
وكأنه حزين، فجاء صديقه في أثناء التعزية وقال له: تهانينا، هذه كلمة صدق،
رقص قلبه بموتها، لكن هناك كلام، وهناك شكل، وهناك سلوك ينبغي أن يأخذ به
لئلا يتهم أنه شامت بموت قريبته.
فيا أيها الإخوة أن تقولها صادقاً بها، يؤكد صدق هذه الكلمة، كسبك للمال
إنفاقك للمال، بيتك بناتك زوجتك، علاقاتك مناسبات أفراحك، مناسبات أحزانك
لا سمح الله، لذلك يبنى على هذا أنه مسموح لك أن تقول ما شئت، لكن الله
متكفل أن يحجمك، بدليل قوله تعالى:
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)
[سورة العنكبوت: الآية 2]
فقضية أن تقول ما تشاء قل ما شئت، لكن الله متكفل أن يحجم هذا الإنسان،
أن يضعه بظرف يكشفه تماماً، أحياناً الإنسان يترفع عن أكل المال الحرام،
يترفع عن مئة ليرة، ألف خمسة آلاف، عشرة آلاف، عرض عليه مبلغ مليون، يقول:
عندي أولاد، غير النغمة، عندي أولاد، هذه بلوى عامة، وهذا ماله حرام لابد
أن نأخذه منه، مثلاً، اختلف الوضع كله، مقاومته هشة، وأن الله عز وجل قال:
(وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ)
[سورة المؤمنون: الآية 30]
قال الله عز وجل:
(مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)
[سورة آل عمران: الآية 179]
عملية فرز، قال تعالى:
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)
[سورة العنكبوت: الآية 2]
وقال تعالى:
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)
[سورة العنكبوت: الآية 3]
قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ
قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ إِذًا
يَتَّكِلُوا وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا
يشهد صادقاً من قلبه إلا حرّم الله عليه النار.
5. أن تقبل كل ما جاءك عن الله:
الآن من صفات الإيمان بلا إله إلا الله أن تقبل كل ما جاءك عن الله، الله عز وجل يقول:
(إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)
[سورة الصافات: الآية 35]
هؤلاء الذين يستحقون العذاب، الناس لا يقبلون تفسيراً للأحداث توحيدياً،
يميلون إلى قبول التفسير الشركي الأرضي، التفسير التوحيدي الذي يضعك عند
مسؤوليتك، والذي يجعل الكرة في ملعبك ، والذي يدفعك أن تغير من سلوكك
مرفوض، والتفسير الشركي مقبول، الإنسان يهرب من المسؤولية، يهرب من أن يكون
هو المسؤول.
لو أن أباً قصر في تربية ابنه، وابنه فسد، أسأله فيقول: الزمن صعب، المدرسة
فاسدة، والطريق فاسد، والكتاب فاسد، والمناهج فاسدة، والشاشة فاسدة،
والانترنيت، وأنت أين كنت؟ يميل الأب المقصر أن يتهم كل الأطراف الأخرى
عدا نفسه، هوغير مسؤول.
إذًا أن تقبَل عن الله عز وجل كل ما جاءك في كتاب الله.
(إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ:
قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ
إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ
[مسلم، الترمذي، أحمد]
إخواننا الكرام: كنت أقول لكم: شخص جاءه ضيوف فجأةً، عشرون شخصاً، وليس
عنده شيء، عنده كيلو لبن، وضع خمسة أمثاله ماء، ووضع بعض الملح والثلج،
وقدم شراب عيران، هذا الكيلو من اللبن قبِل خمسة كيلو من الماء، وصار
شراباً طيباً ، لو وضعت في اللبن نقطة بترول لم يشرب.
الكبر يفسد العمل، المتكبر محجوب عن الله، مبغوض من الخلق.
(إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)
يقول أحد العلماء:
والله لأن أكون ذنباً في الحق أفضل من أن أكون رأساً في الباطل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وربّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لوأقدم على الله لأبره
الله له مقاييس رائعة جداً، الله عز وجل ينظر إلى قلوبنا، قد يأتي إنسان
طالب علم منيب إلى الله، مستقيم على أمره خائفٌ منه، يكون أفضل من ألف ألف
إنسان له سمعه وشهرة كبيرة.
6. حب الله ورسوله والمؤمنين:
الآن الحب المماثل للبغض، يجب أن تحب الله، يجب أن تحب المؤمنين، يجب أن
تحب أمتك الإسلامية على ما فيها من خلل، أمتك، في إنسان يعتز بالكفر،
يمدحهم يثني على تخطيطهم، يثني على قوتهم، يثني على بطشهم، على ثرواتهم،
ويقول هذه أمة متخلفة، كل إنسان واقعي، في تقصير كبير،
عن سلمان الفارسي رضي الله قال :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سلمان لا
تبغضني فتفارق دينك فقلت : يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هداني الله عز وجل
قال تبغض العرب فتبغضني
أي هذه الأمة التي شرفها الله بهذا الدين الآن مقصرة، الآن كبى جوادها،
الآن في محنة، لكن ينبغي ألا تتخلى عنها إذا واحد له أب أحسن تربيته قدم
له روحه وجعله إنسان مرموق، والأب ليس متعلماً، ممكن أن يقول الابن: هذا
أبي متخلف لا يطاق، حديثه صعب وممل، يعيد القصة مئة مرة، ولكن لولاه لكنت
أنت من الأشخاص السيئين، لما ينسى الإنسان أصله، وينسى منشأه، وينسى أمته،
ويلتصق بالأجانب، ويكونوا أذكياء أكثر، وعندهم نظام، وعندهم تفوق، وعندهم
شيء جميل، المؤمن انتماؤه للمؤمنين، ألاّ أقول: نحن في الأوج، لا عندنا
مشاكل لا تعد ولا تحصى، لكن من علامة إيمانك أنك تلتصق بأمتك، أصلحها،
أرشدها، خذ بيدها، ساهم في حل مشكلتها، خفف عنها الأعباء، أحمل همومها،
ينبغي أن تحب الله ورسوله، وأن تحب المؤمنين.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ
مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا
وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ
يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ
مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ
[البخاري، مسلم،الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد]
لذلك هناك حقائق الإيمان، وهناك حلاوة الإيمان، حقائق الإيمان المعلومات
التي بين أيدي المسلمين، لكن حلاوة الإيمان هذه السفينة التي يلقيها الله
في قلب المؤمن، يعني أنه بصراحة إن لم تقل: أنا أسعد الناس فهناك ضعف في
إيمانك، مرتً زرت أخًا توفي رحمه الله، كان بالحج، فزرته، قال كلمة رائعة،
قال لي: والله ليس في الأرض من هوأسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، وصل إلى
شيء ثمين.
7. الانقياد التام لله عز وجل:
الآن من شروط لا إله إلا الله الانقياد التام لله عز وجل.
قال الله تعالى:
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)
[سورة الزمر: الآية 54]
أنيبوا إلى ربكم، أي قضية في الدين خاضعة للمناقشة عند الإنسان، مرة كنت
في مؤتمر عقد في لوس أنجلوس، قام أحد الخطباء فقال: هنا في هذه البلاد ليس
هناك شيء مقدس، وليس هناك شيء غير قابلٍ للبحث، كل شيء يبحث، وكل شيء
يُكشف خطؤه وصوابه، وقد يرفض، لا يوجد مسلَّمات، وأحياناً بالعكس، مرة اضطر
أولو الأمر في بلاد الحجاز أن يستخدموا فريقًا خبيرًا في السير، لعُقَد
السير المستعصية في مِنى وفي عرفات، فالفريق أجنبي، لحل أزمة السير في
مشاعر الحج، فالخبراء درسوا، وأخذوا إحصاءات، وراقبوا عن كثب، وصوروا،
ودرسوا، واجتمعوا، وقرروا، وقدموا تقريرًا، فكان التقرير أن يكون الحج على
خمس دورات في العام، كل شهرين حج، هم في واد، والمناسك في واد.
فالمؤمن يستسلم لله، يقبل هذه الشريعة، يأتي إنسان متفلسف يقول: قطع اليد
همجية، والله مرة سمعت برنامجاً إخبارياً من إذاعة بعيدة جداً، والله الذي
سمعته لا يصدق، إنهم مدهوشون أن إنساناً فرضاً يحمل مليون دولار في كيس،
ويمشي في الطريق، سابقاً طبعاً إنسان يقود شاحنة فيها رواتب محافظة تبعد
ألفي كيلومتر عن مركز العاصمة، وهو آمن، بلاد أخرى يوجد قطارات مصفحة مع
مرافقة مسلحة، وتسرق، الشيء الذي يرونه لا يصدقونه، والله أنا سمعت أخبارًا
قبل هذه الأيام قبل عشرين عاماً، صراف العملة كل ماله في صندوق مكشوف،
يؤذن المؤذن فيذهب إلى الصلاة، يضع قماشًا فوق العملة، في أي مكان في
العالم توجد هذه؟ الإمام الشافعي سئل:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت بربع دينار؟
وديت أي ديتها خمسمئة دينار ذهبي.
فأجاب الإمام الشافعي:
عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
لما كانت أمينة كانت سليمة، فلما خانت هانت، يعني تقطع في ربع دينار،
إذا قطعت خطأً ديتها خمسمئة دينار عسجدا، أي بحدود خمسة ملايين، دية يد
قطعت خطاً بحادث، أما إذا سرقت ثلاثة دراهم تقطع.
8. أن تكفر بالطواغيت:
إخواننا الكرام: آخر شرط من شروط لا إله إلا الله أن تكفر بالطواغيت، من
هوى الكفرة حشر معهم، ولا ينفعه عمله شيئاً، أنت قلبك ممتلئ تعظيماً لله
ولرسوله وللصادقين من المؤمنين، تعظيماً لهذا القرآن لهذا المنهج، لوشققت
عن صدر واحد من ضعاف المؤمنين لوجدته مُلِئَ تعظيماً بالشركة الفلانية،
سوني، ما هذه الشركة، بالسيارات الماركة المعينة، يعظم صنعة الإنسان، ولا
يعظم صنعة الواحد الديان، هناك إتقان بالصنعة عال جداً، لكن الله عز وجل
قال:
(يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)
[سورة الروم: الآية 7]
فينبغي أن يملأ قلبك خلق الله عز وجل آياته الدالة على عظمته، الشمس
والقمر، والليل والنهار، هذا الطعام الذي تأكله كل يوم من صنعه من صممه؟
سمعت عن البطيخ أن سبعة وتسعين بالمئة منه ماء، وثلاثة بالمئة مواد أخرى،
كيف جمد هذا الماء؟ وله قشرة صلبة وشكل بيضوي، وينتقل عبر مئات الكيلومترات
بشاحنة كبيرة، وكله فوق بعضه بعضاً، وينضج خلال تسعين يوماً، ليغطي فصل
الصيف، تصميم من هذا ! الله عز وجل، المؤمن يتفكر بآيات الله يقول الله عز
وجل:
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
[سورة البقرة: الآية 256]
أي يبدو أنه مستحيل أن تؤمن بالله قبل أن تكفر بالطاغوت، لا يجتمع إيمان
بالله وإيمان بالطواغيت، فلذلك المؤمن الصادق يكفر بالطاغوت، الطواغيت كل
من دعاك إلى معصية، كل من دعاك إلى الدنيا، صغراء عنده لا يعظمهم لا يعبأ
بهم، ولا يخشى بطشهم، ولا يطمع في ما عندهم،
أمر الحجاج بقتل أحد التابعين، قال له والله لوعلمت أنك تستطيع أن تميتني
لما عبدت غيرك، لكنك لا تستطيع، هذا المؤمن يعتز بالله عز وجل.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا
يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى
اللَّهِ
قالوها وقلناها ولكن…
إخوتنا الكرام: قد تجد بوناً شاسعاً بين حالة المؤمنين في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم وبين حالتهم في العصور المتأخرة، أضع بين أيديكم هذا
المثل:
قد يرتدي طبيب ثوباً أبيضَ، وقد يضع على عينيه نظارة، وقد يضع في جيبه
ميزان حرارة، وقد يضع في عنقه سماعة قلب، هذا المظهر، لكن الحقيقة أن هذا
الطبيب أمضى ثلاثة وثلاثين عاماً في الدراسة، واجتاز امتحانات صعبة جداً،
واجتاز امتحانات عملية، وله تجارب كثيرة، حتى إن مجموع هذه المعلومات، وتلك
الخبرات، وهذه التجارب شكّل إنساناً يعلم بدقائق عمل هذا الجسم، الآن
لوجاء إنسان لا يقرأ ولا يكتب، وارتدى ثوباً أبيضاً، ووضع على عينيه نظارة،
ثم وضع في جيبه ميزان حرارة، ووضع في عنقه سماعة قلب، هل يعد هذا طبيباً؟
المظهر متقارب أما البون فشاسع وكبير.
إخوتنا الكرام: هذه الكلمة لا إله إلا الله التي لما آمن بها أصحاب رسول
الله فتحوا مشارق الدنيا ومغاربها، والأرض هيَ هي، كيف الآن لدينا دولة
قوية جداً، وقبل سنوات كان يوجد دولتان قويتان جداً يملكان زمام القوة في
العالم، وفي عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان هناك دولتانِ قويتان قطبان
الفرس والروم، والفرق بين قوة أصحاب رسول الله وهم قلةٌ قليلة عاشوا في
الصحراء، وبين قوة هذه الدول الكبيرة في عهد النبي، الفرق نفسه لكن هذه
الكلمة حينما فهمها أصحاب رسول الله فهما كما ينبغي، وعملوا بها كما ينبغي،
كانت نتائج فهمهم لها كبيرةً جداً.
لذلك أيها الإخوة، لا تعتد بمن يقول لا إله إلا الله بلسانه، لا تعتد بمن
يقول: لا إله إلا الله ولم يؤمن بها قلبه، لا تعتد بمن يقول لا إله إلا
الله، ولا ترى أثرها في عمله، يعني لا إله إلا الله لا معبودٍ بحقٍ إلا
الله، والمعبود هوالذي يعطي، وهو الذي يمنع وهو الذي يخفض، وهو الذي يرفع،
وهو الذي يعز وهو الذي يذل، هذا المعبود إن الله وحده يعطي، ويمنع، ويخفض،
ويرفع، ويعز، ويذل، إذاً يجب أن تعبده وحده.
الآن أي مسلم يبتغي أمراً بمعصية الله لا يؤمن بهذه الكلمة أبداً، كنت أقول
دائماً أنه كلمة الله أكبر يقولها الإنسان في اليوم عشرات المرات، إذا
أعجبه منظر قال: الله أكبر، إذا سأل عن السعر الله أكبر، الله أكبر ما هذا
السعر، نرددها عشرات المرات، لكن لو أنك أرضيت زوجتك بمعصية ربك، لوأنك
أرضيت أولادك بمعصية ربك، لو أنك أطعت مخلوقاٌ وعصيت خالقاً، لم تقل الله
أكبر ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، فالمشكلة لا مع كلمات تردد، بل
مع مضامين يعتقد بها، لا مع كلمات مؤلفة من حروف تردد، ولكن مع مضامين.
لما أرسل خليفة المسلمين هارون الرشيد رسالة قال لنقفور الروم: من هارون
الرشيد إلى كلب الروم، ما الذي حصل؟ إنه حاربهم، وانتصر عليهم، قلّدها
إنسان آخر لم تنجح القضية، ليست باللفظ، بل بالعمل، فالكلمة لا إله إلا
الله لها شروط.
لكن والله أيها الإخوة، لوتعمقنا في معناها لحوصرنا تنافق من أجل ماذا؟ من
أجل أن تنال عند هذا القوي مكانةً، العز عند الله ، الله عز وجل هو الذي
يعز، فإن العزة لله جميعاً، لو أيقنت أن الله وحده يعز، ووحده يذل لما
نافقت مع هذا الإنسان، لو آمنت أن الله وحده يرزق، ووحده يقدر لما كسبت
رزقك بالحرام، ولو أردت أن تحلل كل ما يفعله المسلمون من انحرافات عن منهج
الله وجدت أنها بسبب ضعف توحيدهم، وبسبب ضعف إيمانهم بلا إله إلا الله، لا
إله إلا الله، لا معبود بحقٍ إلا الله، ليس في الكون جهةٌ تستحق أن تعبد
إلا الجهة التي تتصرف وحدها، وتعطي وحدها، وتمنع وحدها، وترفع وحدها، وتخفض
وحدها.
أكاد أقول: إن معظم أمراض المسلمين من ضعف توحيدهم، إن معظم معاصي المسلمين
من ضعف توحيدهم، إن معظم انحرافات المسلمين من ضعف توحيدهم، إن معظم
المخاوف التي تأكل قلوب المسلمين من ضعف توحيدهم، هذه كلمة التوحيد الأولى
لا إله إلا الله، والله يمكن أن تتكلم عن هذه الكلمة سنوات، الإله الذي
يمنح الحياة هو الله، والذي ينهي الحياة هوالله، التغى الجبن، التغى الخوف،
الذي يمنحك الحياة هو الله وحده، والذي يأخذها منك هو الله وحده، من هنا
تأتي الشجاعة، الذي يرزقك هو الله وحده، والذي يقتر عليك الرزق هو الله
وحده، من هنا تأتي الاستقامة في كسب المال، الذي يعزك هو الله وحده، من هنا
يلغى الرياء، ما في داع أن أمدح نفسي، ولا أن أنتزع إعجاب الناس، ولا أن
أمضي الساعات الطويلة في الحديث عن نفسي، وعن مكانتي وعن إمكاناتي، وعن
إنفاقي وعن مالي، حتى أكون في مكان مرموق في نظر الناس، تكاد تكون معظم
أمراضنا بسبب ضعف التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، تكاد تكون
معظم آلامنا بسبب ضعف التوحيد، الدليل:
(فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)
[سورة الشعراء: الآية 213]
إخواننا الكرام: الشهوة إله، وسمعتك التي تحرص عليها إله، قد تعصي الله
فيما بينك وبينه، وتتألم أشد الألم إذا علم الناس بهذه المعصية، معنى ذلك
أنك تعبد سمعتك من دون الله، الحديث عن لا إله إلا الله لا ينتهي، لكن
الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تطعيها، وأن تحبها، وأن تخلص لها، وأن تتوكل
عليها، وأن تقبل عليها، وأن تسلم إليها مصيرك، هي الله عز وجل، هي الجهة
الوحيدة، الجهة الصانعة.
أيها الإخوة سمعت من بعض العلماء، علماء النفس أن أشد الناس ذكاءً، بل إن
العباقرة من الناس لم يستخدموا من طاقاتهم العقلية إلا النذر اليسير، أودع
الله فيك إمكانات شيء لا يصدق، إمكانات كبيرة جداً، لكن الناس يعيشون على
هامش الحياة، لوسألت ألف إنسان ما هدفك؟ يعيش بحكم أنه حي والتعبير العامي
“عم ندفش”، لماذا أنت في الحياة، ما هدفك؟ أهدافه غير واضحة، يسوقه التيار
العام، تسوقه ما يفعله الناس في الخط العريض، أما أنه هدفه واضح وسائل
الهدف واضحة عنده، وقته ثمين جداً يراقب نفسه يحكم نفسه، ولا تحكمه، هذا
إنسان يكاد يكون قليلا.
والحمد الله رب العالمينمنقول عن:العقيدة – العقيدة من مفهوم القران والسنة – الدرس ( 06-40) : شروط لا إله إلا الله -1
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-06-22| المصدر
العقيدة – العقيدة من مفهوم القران والسنة – الدرس ( 07-40) : شروط لا إله إلا الله -2
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-06-29| المصدر