يقول الإمام الشافعي رحمه الله رحمة واسعة :" بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح "...
ما أكثر نعم الله على الإنسان وما أعظم فضله عليه :" وما بكم من نعمة فمن الله "...
نعمة الصحة والعافية ... نعمة السمع والبصر ... نعمة اليدين والرجلين ...
نعمة الماء والهواء ... نعمة الأكل والشرب ... نعمة العقل والقلب ...
نعمة الإسلام والإيمان ... نعمة اليقين والأنس ...
ولكن من أعجب ما نرى ونسمع أن يُوجد من بني الإنسان من يُنكر فضل الله ونعم الله
بمجرد أن يصيبه أذى أو يمسه مكروه ...
وقد قال عبد صالح من سلفنا الصالح بعدما بُترت ساقه لعلة أصابها :" إنا لله وإنا إليه
راجعون ، اللهم قد ابتليت في عضو وقد عافيت في أعضاء " ، ولما بلغه خبر وفاة إبنه
فقال رحمه الله بيقين المؤمن :" إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم قد ابتُليت في ابن
وقد عافيت في أبناء "...
قد تُصيب المؤمن محن وإحن وابتلاءات من حين وآخر فلا ينبغي له أن ينسى كرم الله وفضل الله
ونعم الله :" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ".
وينبغي للمؤمن أن يُغير النظرة التشاؤمية للحياة فلا ينظر إلى ابتلاءات الدنيا ومحنها ومتاعبها
وينسى ما أكرم الله به هذا الإنسان من نعم في هذه الحياة الدنيا...
888888888888888888 888888888888888888888
جلس مؤلف كبير أمام مكتبه وأمسك بقلمه، في ليلة رأس السنة، وكتب:
في السنة الماضية، أجريت عملية إزالة المرارة، ولازمت الفراش عدة شهور..
وبلغت الستين من العمر فتركت وظيفتي المهمة في دار النشر الكبرى التي ظللت أعمل بها
ثلاثين عاماً..وتوفي والدي...ورسب ابني في بكالوريوس كلية الطب لتعطله عن الدراسة عدة
شهور بسبب إصابته فى حادث سيارة ...
وفي نهاية الصفحة كتب.. " يا لها من سنة سيئة "...
ودخلت زوجته غرفة مكتبه، ولاحظت شروده ، فاقتربت منه، ومن فوق كتفه قرأت ما كتب..
فتركت الغرفة بهدوء ...
وبعد دقائق عادت وقد أمسكت بيدها ورقة أخرى، وضعتها بهدوء بجوار الورقة التى سبق أن
كتبها زوجها ..
وتناول الزوج ورقة زوجته وقرأ منها :
في السنة الماضية..شفيت من الآم المرارة التي عذبتك سنوات طويلة...وبلغت الستين
وأنت في تمام الصحة...وستتفرغ للكتابة والتأليف بعد أن تم التعاقد معك على نشر أكثر
من كتاب مهم...وعاش والدك حتى بلغ الخامسة والثمانين بغير أن يسبب لأحد أيمتاعب،
وتوفي في هدوء بغير أن يتألم...ونجا ابنك من الموت في حادث السيارة وشفي بغير أية
عاهات أو مضاعفات...
وختمت الزوجة عبارتها قائلة:
" يا لها من سنة تغلب فيها حظنا الحسن على حظنا السيء "...
جلس الزوج يتأمل بعمق في ما كتبته الزوجة المُحبة الصادقة ...
ثم تناول الورقة ليكتب اهداءً اخر غير الذى يكتبه دوما فى بدايه كتبه ..
كتب :
"
إلى زوجتي الرائعة ... أشكرك "
إنها فعلا زوجة رائعة تُعين زوجها على اقتحام العقبة وتقف معه ليتجاوز المصاعب
والمتاعب ، وهنا لا بُد أن نُشير ختاما إلى الموقف الرائع لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد
رضي الله عنها عندما قصدها الحبيب صلى الله عليه وسلم عائدا من غار حراء يرجف
فؤاده خوفا وهلعا ، فقالت له مشجعة ومحفزة ومُهدئة ومُثبتة :" كلا والله لا يُخزيك الله أبدا إنك
لتصل الرحم وتصدق الحديث وتكسب المعدوم وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الحق.."
يا له من موقف ويا له من درس تتعلمه المؤمنة من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ...
يعود الرجل من العمل ومن خارج البيت فبم تستقبله الزوجة الكريمة ؟
يصيب الرجل ما يُصيبه من آلام خارج البيت فكيف تُخفف المؤمنة تلك الآلام ؟
يرجع الزوج إلى بيته مثخنا بالجراح أحيانا فبم تُداوي المرأة الصالحة تلك الجراح ؟
يلقى الرجل متاعب في صراعه مع الحياة فكيف تُعين الزوجة زوجها على التغلب عليها ؟
تلك أسئلة على الزوجة الصالحة أن تتأمل فيها بعمق وبتؤدة وصبر لتجد أن المرأة قادرة
بإذن الله أن تُحقق ما يُسميه البعض المستحيل ، وأن تتجاوز العقبات لتصل أيضا إلى
ما يصطلح عليه البعض بالمستحيل وما ذالك على الله بعزيز ...
والحمد لله رب العالمين