كثير ما كنت أسمع في إعلان إحدى الشركات في التلفاز " درجة واحدة تصنع الفرق
" ، فكانت تدور في ذهني تساؤلات كثيرة كيف يمكن لدرجة واحدة فقط أن تصنع
الفرق . كنت أقول في نفسي ما هو الفرق عندما تكون درجة الحرارة 37 أو 38
درجة مئوية . ما هو الفرق عندما يكون عمرك 25 أو 26 سنة . ما هو الفرق
عندما تصرف 95 ريال أو 96 ريال لشراء أي شيء . !
لكني بعد ذلك أدركت أن تفكيري كان بسيطاً وساذجاً بعض الشيء ، لأنه فعلا
درجة واحدة تصنع الفرق وليس فرقاً صغيراً بل كبيراً جداً ، و لكن نحن من
يستهين بهذه الدرجة لأننا نوظفها في مكان لا يعني التغير أو لا يهم التغير
فيه. ولكن المقصود بالدرجة الواحدة هي الدرجة الحرجة التي تغير الأمور
رأساً على عقب .
فعندما يكون تجميعك في نهاية الفصل الدراسي 89 درجة، عندها ستدرك أن درجة
وحدة قد تصنع الفرق . وعندما تصل لسن 60 عندها تدرك أن سنة واحدة إضافية في
سن الشباب قد تصنع الفرق. وعندما تأتي متأخر لحضور درس أو فلم أو اجتماع
فإن دقيقة واحدة قد تصنع الفرق . وعندما تستيقظ متأخراً للسحور وقد إذن
الفجر في رمضان عندها ستدرك أن دقيقة واحدة قد تصنع الفرق.
أريد من هذا الموضوع تسليط الضوء على بعض التهاون و الاستهتار الذي أصبح
عادة بل سمة يومية في حياتنا، نأتي للصلاة متأخرين، ننجز أعمالنا دائماً
متأخرين، نواعد ونأتي متأخرين. نجهل أهمية الوقت و قيمة الدقائق و لا ندرك
أهمية الفرق . رغم أننا نتأخر دقائق فقط ولكن هذه الدقائق مهمة لأنها ربما
تصنع الفرق.
رغم أننا نعلم بالفطرة أن درجة واحدة فقط تصنع الفرق وهذه عقيدة راسخة عند
كل مسلم يوم يأتي يوم القيامة وقد بقي حسنة واحدة فقط لتدخله الجنة فلا
ينفع مال ولا بنون ، نعلم يقيناً أن درجة وحدة تصنع الفرق ولكن لا حياة
لمن تنادي . نعلم أن بين الجنون و العبقرية درجة واحدة تصنع الفرق . نعلم
أن بين الليل و النهار ساعة واحدة تصنع الفرق. نعلم أن بين الانصهار و
التجمد و التبخر درجة واحدة تصنع الفرق . نعلم كم هي مهمة تلك الدرجة و
الأوقات ولكن نتهاون بها .
أريدك أنت أن تجاوب إذا ما كانت درجة واحدة تصنع الفرق أم لا . هل تعلم أن
هناك ليلة واحدة في العام خير من ألف شهر ليلة فاضلة الأجر فيها كبير ،لو
فاتتك هذه الليلة هل هناك فرق؟؟ فهناك 363 ليله أخرى في السنة .
هل تعلم أن هناك ساعة استجابة واحدة في يوم الجمعة لا ترد فيها دعوة ولا
حاجة ، لو فاتتك هذه الساعة هل ستدرك التغير؟؟ فهناك ساعات كثيرة في اليوم
.
لذالك أخي الفاضل حاول قدر المستطاع أن تدرك قيمة تلك الدرجة التي قد تحدث
التغير و لا تتهاون و لا تقدم تنازلات لأي شيء فنداء العقيدة يجعلك مؤمن
بأن درجة واحد قد تصنع الفرق . حبك لدينك و والديك و وطنك يجب أن يكون
كامل، و حرصك على علمك و صلاتك و واجباتك يجب أن تكون كاملة دون أي نقص حتى
لو كان قليل لأن القليل يعني الكثير وقد تصنع الفرق يوماً . يجب أن تكون
شاب واعي طموح وحريص على كل ما تقوم به وتقدمه ويجب أن تدرك أن مهما كان
الشيء قليل في أعين الناس فهو كبير في عينك ، لأن هذه صفة العقلاء و
العلماء و رجال المستقبل الذين سيصنعون التغير يوماً لرفعة دينهم و أمتهم و
أوطانهم . فليكن شعارك من اليوم ومبدأ أن " درجة واحدة فقط تصنع الفرق "
وتذكر أخي الكريم أن الحياة مجرد دقائق و ثوان وأعلم أن الدنيا ساعة
فإجعلها طاعة ، وأعلم أن يوم تقوم الساعة سيقسم المجرمون أنهم لم يلبثوا في
الدنيا غير ساعة . فإذا كانت حياتك كلها ساعة واحدة فقط فأحرص يا راعاك
الله أن تحدث التغير في تلك الساعة .
فلا تستهين بالدرجة أو العلامة أو الساعة أو الدقيقة وتذكر أن النار من مستصغر الشرر و أن الجبال من حصى