كانت شجرة
الليمون محملة بثمارها الناضجة الصفراء وقد حان قطافها، وكل ثمرة تنتظر
قاطفها وتحلم كيف ستكون مفيدة له... أليس من أجل هذا خلقت؟
وبينما
الثمار تلتمع في الليل كأضواء الكهرباء بين الأوراق الزاهية الخضراء كانت
ليمونة في أعلى الشجرة تخبئ نفسها ولا تشارك رفيقاتها في أحلامهن، تقول
لنفسها:
-
سأظل هنا مختبئة بين الأوراق فلا يراني أحد. لا أريد أن يقطفني أحد... بل
أظل هنا في أعلى الشجرة كملكة على عرشها. ماذا في ذلك؟ أن قشرتي قوية..
وعودي المتين عالق تماماً بالشجرة. سأظل لأشهد ربيعاً آخر... وأرى الأزهار
كيف تتفتح... صحيح أنني سأبقى وحدي لكنني سأسامر النجوم في الليل.. وأداعب
الهواء في النهار.. وتحط علي العصافير فأسمع قصصها وحكاياتها.
وإذ حل وباء (الانفلونزا) فجأة في الحي أسرع السكان لاقتطاف ثمار الليمون دواء لهم ولأطفالهم... ولم يروا تلك الليمونة
لأنها اختبأت أكثر وأكثر. وهكذا فجأة وجدت نفسها وحيدة وحزينة خاصة وأن
الفصل أصبح شتاء... ولا نجوم في الليل لأن السماء مغطاة بالسحب والهواء
يلسع ببرودته، والعصافير كلها آوت في أعشاشها. بدأت الليمونة المتكبرة تلوم نفسها على ما فعلت عندما هبت عاصفة قوية مصحوبة بالمطر وحبات البرد، فإذا بها تسقط في حفرة مليئة بالطين.
نادت الأطفال ليأتوا وينقذوها لكنهم كانوا مختبئين في بيوتهم بسبب البرد ولأنهم لم يشفوا من الانفلونزا بعد.
بكت الليمونة
المتكبرة وأصبحت تعاني من موت بطيء.. هكذا مهملة دون نفع أو فائدة. وبعد
أيام وعندما أشرقت الشمس في يوم صحو جميل خرج الأطفال إلى حديقة العمارة
فشموا رائحة كريهة في حوض مليء بالطين. ورأوا الليمونة المتفسخة وقد أصبح لونها داكناً وهي منتفخة والبذور تخرج منها، قال بعضهم لبعض:
-هذه ليمونة مسكينة.. سقطت من يد أحدهم أثناء القطاف. ليتها لم تلاق هذا المصير البشع.
ثم حملوها بطرف غصن من الشجرة، وألقوها في القمامة وهم لا يعرفون أنها الليمونة الحزينة... وليست المسكينة.
lll