مصراوية عضوممـــــــيز
اوسمتى : عدد المساهمات : 1695 تاريخ التسجيل : 25/05/2011 العمر : 36 الموقع : مصر
| موضوع: علم الحيوان الأحد أبريل 15, 2012 2:36 pm | |
| علم الحيوان هو الفرع الثاني من فروع علم الحياة أو التاريخ الطبيعي، وهو علم يبحث في أحوال وخواص أنواع الحيوانات وعجائبها ومنافعها ومضارها. وموضوعه هو: جنس الحيوان البري والبحري والماشي والزاحف والطائر، وغير ذلك. والغرض منه: التداوي والانتفاع بالحيوانات, واجتناب مضارها، والوقوف على عجائب أحوالها وغرائب أفعالها. تعريف علم الحيوان
علم الحيوان هو الفرع الثاني من فروع علم الحياة أو التاريخ الطبيعي، وهو علم يبحث في أحوال وخواص أنواع الحيوانات وعجائبها ومنافعها ومضارها.
وموضوعه هو: جنس الحيوان البري والبحري والماشي والزاحف والطائر، وغير ذلك.
والغرض منه: التداوي والانتفاع بالحيوانات، واجتناب مضارها، والوقوف على عجائب أحوالها وغرائب أفعالها.[1]
ويقسم علماء الحيوان الكائنات الحية عموما على أساس طبيعة غذائها إلى ثلاث مجموعات: منها ما يسمى (آكلات الأعشاب) و(آكلات اللحوم)، و(آكلات اللحوم والأعشاب)، والحيوان من النوع الأول والثاني.
وجاء تقسيمها في القرآن الكريم كما في الآية الكريمة: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [النور: 45].
فالله خلق الأحياء كلها من الماء فهي ذات أصل واحد، ثم هي - كما ترى العين - متنوعة الأشكال، منها الزواحف تمشي على بطنها، ومنها الإنسان والطير يمشي على قدمين، ومنها الحيوان يدب على أربع[2]
وكذلك تختلف الحيوانات فيما بينها من حيث الحجم، فهناك الحيوانات كبيرة الحجم مثل حوت العنبر الأزرق - وهو أكبر الحيوانات حجما - ويبلغ طوله أكثر من صف مكون من خمسة أفيال، وهناك أيضا حيوانات صغيرة جدًا لا ترى إلا بوساطة المجهر.
ولا يعرف أحد بالضبط كم عدد أنواع الحيوانات الموجودة في العالم، وقد تمكن العلماء حتى الآن من تصنيف أكثر من مليون نوع من الحيوانات، ولكنه يكتشف كل عام بضع مئات من الأنواع الجديدة.
أما أعمار الحيوانات فتترواح بين عدد من الساعات والعديد من السنين، فذبابة مايو المكتملة النمو تعيش لعدد قليل من الساعات بينما السلاحف البرية تعيش 100 عام، وتتكون معظم الحيوانات من أنواع مختلفة من الخلايا، ولكن الفرطيسيات (البروتيستا) وأوليات النواة (المونيرا) تتكون من نوع واحد من الخلايا. [3]
علم الحيوان قبل الإسلام
تناول العرب قبل الإسلام في تراثهم المروي شعرًا الإبلَ والخيلَ وبقية حيوانات بيئتهم، وأطالوا الحديث فيها، فعند حديثهم عن الإبل تكلَّموا عن ضِرابها وحملها ونتاجها وحلبها وألبانها وألوانها ونحرها ونسبها وأصواتها ورعيها وشربها وأنواع سيرها، كما أن لهم في الخيل نعتًا مفصلاً وأدبيات لم يبزهم فيها أحد.
كان العرب قبل الإسلام منعزلين بعيدين عن العالم المتحضِّر آنذاك، واكتسبوا بطول مراقبتهم لحيواناتهم التي تعيش معهم، وتلك التي يصطادونها أو تفتك بهم وبحيواناتهم، معرفة طبائعها، وانطبعت في أذهانهم خواصها وصفاتها، وراحوا ينعتونها بما يتفق وهذه الطباع مدحًا أو ذمّاً، وأطلقوا أسماءها على أبنائهم وعشائرهم؛ إذ كان فيها معنى القوة والوفاء، واقتبسوا من أسماء هذه الحيوانات أمثالهم السائرة وتشبيهاتهم المعبِّرة.
وقد ندرك هذا الأمر مما نجده من أن معظم الأسماء العربية الصحيحة للقبائل والأفراد في الجاهلية مشتقة من أسماء الحيوان، وقد عزا الدّميريّ معظم الأمثال العربية إلى الحيوان؛ لأن الحيوان خير وسيلة للتعبير والوصف؛ لا يعي ما يصيبه من معاني الإهانة إذا قرنت باسمه في القدح (الذم)، ولا يفقه ما بها من جمال في المدح.
وألّف اليونان في علم الحيوان قبل العرب، وكان من بين الكتب التي انتقلت إلى العربية منهم كتاب (الحيوان) لديموقريطس، وكتاب آخر أشهر منه وهو كتاب (الحيوان) لأرسطو الذي قام بترجمته يحيى بن البطريق (ت نحو 200هـ، 815م)، وكتاب جوامع كتاب أرسطو طاليس في معرفة طبائع الحيوان الذي ترجمه إسحاق بن حنين (ت 298هـ، 910م).
ولكتاب أرسطو طاليس هذا أثر واضح في كتاب الحيوان للجاحظ الذي صرّح باعتماده عليه وأشار إليه مرات كثيرة باسم صاحب المنطق. [4]
الحيوان في الشريعة الإسلامية
في عام 1824 تأسست في إنجلترا أول جمعية للرفق بالحيوان، ثم انتشر هذا التقليد بعد ذلك في كثير من أقطار الأرض، فقامت هنا وهناك جمعيات تهدف إلى الرفق بالحيوان عند المصاحبة، والإحسان إليه في المعاملة، والتلطف معه في السلوك.
غير أن هذه الجمعيات جميعاً إنما تقوم على أسس أخلاقية صرفة، وقواعد إنسانية عامة، ليس لها أساس من القواعد التشريعية، أو القوانين الملزمة، وليس لها خلفية فقهية تنظم مسائلها، وتوضح حدودها المتعلقة بحفظ حقوق الحيوان المتعاون مع الإنسان في هذه الحياة، ومن هنا بقيت هذه الجمعيات ذات صفة طوعية اختيارية، وهي لذلك لا ترتب ثواباً لممتثل، ولا توجب عقاباً على مخالف، فماذا فعلت الشريعة الإسلامية في هذا الصدد؟
نظرة الإسلام إلى الحيوان:
ينظر الإسلام إلى عالم الحيوان إجمالا ًنظرة واقعية ترتكز على أهميته في الحياة ونفعه للإنسان، وتعاونه معه في عمارة الكون واستمرار الحياة، ومن هنا كان الحيوان ملء السمع والبصر في كثير من مجالات الفكر والتشريع الإسلامي، ولا أدَلَّ على ذلك من أن عدة سور في القرآن الكريم وضع الله لها العناوين من أسماء الحيوان مثل: سورة البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والفيل.
ويعود القرآن بعد ذلك لينص على تكريم الحيوان، وبيان مكانته، وتحديد موقعه إلى جانب الإنسان، فبعد أن بين الله في سورة النحل قدرته في خلق السموات والأرض، وقدرته في خلق الإنسان، أردف ذلك بقوله {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
وقد استنبط الفقهاء والمفسرون من هذه الآيات الأربع من سورة النحل ما يلي:
أولا: أن الحيوان شديد الارتباط بالإنسان، وثيق الصلة به، قريب الموقع منه، ومن هنا كان للحيوان على الإنسان حرمة وذمام. [5].
ثانياً: أن أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي-بعد الإنسان - سائر الحيوانات؛ لاختصاصها
بالقوى الشريفة وهي الحواس الظاهرة والباطنة والشهوة والغضب[6]
ثالثا: أن الله -سبحانه- قصد بهذه الآيات أن يبتعد بالإنسان عن أن ينظر إلى الحيوان نظرة ضيقة لا
تتعلق إلا بالجانب المادي المتعلق بالأكل والنقل واللباس والدفء، فوسع نظرته إليه مشيراً إلى أن للحيوان جانباً معنوياً، وصفات جمالية تقتضي الرفق به في المعاملة، والإحسان إليه في المصاحبة، والإقبال عليه بحب واعتزاز، فقال: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}، وقال: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}.
قال الرازي (19/228): "واعلم أن وجه التجمل بها، أن الراعي إذا روَّحها بالعشي وسرحها بالغداة تزينت عند تلك الإراحة والتسريح الأفنية، وتجاوب فيها الثغاء والرغاء، وفرحت أربابها، وعظم وقعُهم عند الناس بسبب كونهم مالكين لها".
وقال القرطبي (10/70): "وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة، وهو مرئي بالأبصار موافق للبصائر، ومن جمالها: كثرتها وقول الناس إذا رأوها: هذه نَعَمُ فلان، ولأنها إذا راحت توفر حسنها، وعظم شأنه، وتعلقت القلوب بها".
رابعاً: أن ذكر بعض الحيوانات بأسمائها في هذه الآيات لا يعني أن غيرها ليس كذلك، بل إنه ذكرها
على سبيل المثال لا الحصر بدليل قوله: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
ويقول الرازي في تفسير ذلك (19/231): "لأن أنواعها وأصنافها وأقسامها كثيرة خارجة عن الحد والإحصاء فكان أحسن الأحوال ذكرها على سبيل الإجمال كما ذكر الله تعالى في هذه الآية".
ثناء الإسلام على بعض الحيوانات:
وقد أناط الإسلام وجوب الإحسان إلى بعض الحيوانات بمنافعها المعنوية وصفاتها الحميدة، فأوجب الرفق بها لذلك، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة"، ووقع في رواية ابن إدريس عن حصين في هذا الحديث من الزيادة قوله صلى الله عليه وسلم: "والإبل عزّ لأهلها، والغنم بركة" أخرجه البرقاني في مستخرجه، ونبه عليه الحميدي، ونقله ابن حجر[7].
وروى النسائي عن زيد بن خالد الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة". رواه أبو داود أيض، وابن حبان في صحيحه، إلا أنه قال: " فإنه يدعو للصلاة" على ما نقله المنذري (5/133).
الرفق بالحيوان عبادة لله:
توافرت النصوص على أن الإحسان إلى الحيوان والرفق به عبادة من العبادات التي قد تصل في بعض الأحيان إلى أعلى درجات الأجر وأقوى أسباب المغفرة، ومن ذلك حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه الحر، فوجد بئرا ًفنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفرله، قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر" رواه مالك، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: "فشكر الله له فأدخله الجنة".
وأخرج مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن امرأة بغيا رأت كلبا ًفي يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها - أي استقت له بخفها - فغفر لها " فقد غفر الله لهذه البغي ذنوبها بسبب ما فعلته من سقي هذا الكلب.
وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لإبلي ورد عليّ البعير لغيري فسقيته، فهل في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في كل ذات كبد أجرا " رواه أحمد ورواته ثقات مشهورون.
وعن محمود بن الربيع أن سراقة بن جعشم قال: يا رسول الله، الضالة ترد على حوضي فهل فيها أجر إن سقيتها؟ قال: "اسقها؛ فإن في كل ذات كبد حرَّى أجرا ً"رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه ابن ماجة والبيهقي.
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسلمة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج أو روضة فما أصابت في طلبها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت أرواؤها وأثارها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له.." الحديث.
الإساءة للحيوان معصية لله:
وبنفس القدر الذي أوصلت به الشريعة الإسلامية به الإحسان إلى الحيوان والرفق به إلى أعلى درجات العبادة، أوصلت الإساءة للحيوان وتعذيبه إلى أعمق دركات الإثم والمعصية، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أخرجه البخاري ومسلم: "عُذِّبت امرأة في هِرَّة لم تطعمها ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض"، وروى البخاري بسنده إلى أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دنت مني النار حتى قلت: أي رب وأنا معهم، فإذا امرأة حسبت أنه قال: تخدشها هرة ، قال: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا ً" قال النووي في شرح هذا الحديث عن مسلم (9/89): "إن المرأة كانت مسلمة وإنها دخلت النار بسببها، وهذه المعصية ليست صغيرة بل صارت بإصرارها كبيرة".
وقد حرم الإسلام تعذيب الحيوان ولعن المخالفين على مخالفتهم، فقد روى مسلم بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه" وفي رواية له: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه"، ورواه الطبراني بإسناد جيد مختصر: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يسم في الوجه" وروى الطبراني أيضا ًعن جنادة بن جراد أحد بني غيلان بن جنادة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بإبل قد وسمتها في أنفها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جنادة، فما وجدت عضوا تسمه إلا في الوجه أما إن أمامك القصاص" فقال: أمرها إليك يا رسول الله.
وعن جابر بن عبد الله قال: مرَّ حمار برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كوي وجهه يفور منخراه من دم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من فعل هذا" ثم نهى عن الكي في الوجه، والضرب في الوجه" رواه الترمذي مختصرا ًوصححه، والأحاديث في النهي عن الكي في الوجه كثيرة.
وقد حرمت الشريعة الإسلامية قتل البهائم صبْرًا– أي أن تحبس لترمى حتى تموت - كما حرمت المثلة - وهي قطع أطراف الحيوان - فقد روي عن ابن عمر أنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل"، وأخرج البخاري ومسلم عن المنهال بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثَّل بالحيوان" قال العسقلاني في شرح صحيح البخاري ( 8/84): "واللعن من دلائل التحريم كما لا يخفى".
وقال العقيلي: "جاء في النهي عن صبر البهيمة أحاديث جياد"، وقال ابن حجر (فتح الباري 12/65): "وفي هذه الأحاديث تحريم تعذيب الحيوان" والتحريم يقتضي العقاب، والعقاب أثر من آثار الجريمة، وهذا يعني: أن الإساءة إلى الحيوان وتعذيبه وعدم الرفق به يعتبر جريمة في نظر الشريعة الإسلامية، وورد النهي عن خصاء البهائم كما جاء في شرح معاني الآثار للطحاوي من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يخصى الإبل والبقر والغنم والخيل، وإذا دعت الضرورة إلى ذلك في الحيوان الذي يخشى عضاضه، ووجد طريق آخر لمنع أذاه من غير طريق الخصاء فإنه لا خلاف في منع الخصاء حينئذ؛ لأنه تعذيب.
تحريم أنواع من التصرفات مع الحيوانات:
من الفنون التي تشيع هنا وهناك ما لا تتم إلا بتعذيب الحيوان بإغراء بعضه على بعض وتهييجه، كمصارعة الثيران، ومصارعة الديكة، والكباش ونحو ذلك، أو نصبه غرضا ًللرماية والصيد، أو قتله بدون فائدة ولا منفعة، أو إرهاقه بالعمل الشاق، وقد اعتبرت الشريعة الإسلامية ذلك من الفعل المحرم الذي يستحق العقوبة؛ فقد روي عن ابن عباس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم" رواه أبو داود والترمذي متصلا ًومرسلا عن مجاهد وقال في المرسل: هو أصح.
وروي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فلما جاء رسول الله قال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها" وعن الشريد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل عصفورا عبثا ًعجّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب، إن فلانا قتلني عبثا ًولم يقتلني منفعة" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.
وعن ابن عمر أنه مرّ بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا ًأو دجاجة يترامونها، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن من اتخذ شيئا ًفيه الروح غرضا" رواه البخاري ومسلم.
قال الصنعاني في سبل السلام (4/86) بعد أن أورد هذا الحديث بلفظ مسلم: "الحديث نهى عن جعل الحيوان هدفا يرمى إليه، والنهي للتحريم لأنه أصله، ويؤيده قوة حديث " لعن الله من فعل هذا" ووجه حكمة النهي أن فيه إيلاما للحيوان.
ومن الرفق بالحيوان تجنب أذيته في بدنه ولطمه على وجهه، فقد روي عن المقداد بن معديكرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "ينهى عن لطم خدود الدواب"، وفي صحيح مسلم: أن امرأة كانت على ناقة فنفرت؛ فلعنته، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأمر بإعراء الناقة مما عليها وإرسالها، عقوبة لصاحبتها.
تحريم التعسف في استعمال الحق مع الحيوان:
إذا كان الله- سبحانه- قد أجاز للإنسان أن يستعمل حقه في الانتفاع بالحيوان، فإنه اشترط لذلك أن يتم على الوجه المشروع، فإن كان فيه شيء من التعسف؛ فقد ورد النهي عنه في نصوص كثيرة ومن ذلك ما يلي:-
أولا: التعسف في استعمال حق الذبح:
لقد جعل الإسلام من حق الإنسان أن يذبح الحيوان المأكول للاستمتاع بالطيب من لحمه، ولكنه أمر بالإحسان في ذبحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" وقد وضع فقهاء الإسلام آدابا ًلذبح الحيوان المأكول اقتباسا ًمما جاء في الرفق بالحيوان من أصول، فقال أمير المؤمنين عمر: "من الإحسان للذبيحة أن لا تجرَّ الذبيحة إلى من يذبحها".
وقال ربيعة الرأي: "من الإحسان أن لا تذبح ذبيحة وأخرى تنظر إليها".
وقرر الفقهاء أنه على الذابح أن لا يحد شفرته أمام الذبيحة، وأن لا يصرعها بعنف، فعن ابن عباس أن رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أتريد أن تميتها موتتين؟!! هلا أحددتك شفرتك قبل أن تضجعها" رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح على شرط البخاري.
وعن معاوية بن مرة عن أبيه أن رجلا قال: يا رسول الله، إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال: "إن رحمتها رحمك الله" رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
وعن الوحين بن عطاء قال: إن جزارا ًفتح بابا على شاة ليذبحها، فانفلتت منه فاتبعها، فأخذ يسحبها برجلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جزار سقها سوقا رفيقا" رواه عبد الرزاق في مصنفه.
وعن ابن سيرين أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له: "ويلك قدها إلى الموت قودا ًجميلا ً" رواه عبد الرزاق أيضا.
ثانيا: التعسف في استعمال حق القتل:
أذن الإسلام في قتل الحيوان المؤذي، كالكلب العقور، والأفعى السامة، والفأر المخرب، وما أشبه
ذلك، غير أنه أمر بالإحسان في قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله كتب الإحسان في
كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة..." والمعروف أن القتل يستعمل للحيوان الذي لا يؤكل، على خلاف الذبح الذي يستعمل للحيوان المأكول.
وعن ابن مسعود قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى قرية نمل قد حرقناها فقال: "من حرق هذه؟" قلنا: نحن، قال: "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب العالمين" رواه أبو داود، وقد أمر رسول الله بقتل ((الوزغ)) وهو الكبار من الزاحف المسمى سام أبرص، إلا أنه أمر بالإحسان في قتله، وذلك بقتله بضربة واحدة دون تعذيبه بضربات متعددة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الحسنة الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الحسنة الثانية" رواه مسلم، وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وفي رواية لمسلم "من قتل وزغا ًفي أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك".
وفي حديث سقيا الكلب الذي يلهث قال المفسرون: فيه دلالة على وجوب الإحسان إلى الحيوان المؤذي المأمور بقتله، فقد أمر الإسلام بقتل الكلب العقور إلا أنه أثاب من سقاه من البئر بأعلى درجات الثواب فأدخله الجنة، فلا تعارض بين الأمر بقتله والأمر بالإحسان إليه امتثالا لحديث: فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة.
ثالثا: التعسف في استعمال حق الركوب:
سخر الله الحيوان لنقل الإنسان من مكان كما جاء في قوله تعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} غير أن هذا الحق ليس مطلقا ًوإنما قيدته الشريعة الإسلامية بقيود ترتكز كلها على أصل الرفق بالحيوان والإحسان إليه ومراعاة حقوقه.
ومن حقوق الحيوان في ذلك:-
1- أن تتاح له فرصة الرعي والاستراحة في السفر الطويل؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من طرق متعددة بالسند إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض" قال النووي في شرح هذا الحديث عند مسلم (8/128): "ومعنى الحديث الحث على الرفق بالدواب، ومراعاة مصلحتها، فإن سافروا في الخصب قللوا السير وتركوها ترعى في بعض النهار وفي أثناء السير، فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها". وقد جاء في أول هذا الحديث من رواية مالك: "إن الله رفيق يحب الرفق".
2- ومن حق الدابة المعدة للركوب أن لا يركب عليها ثلاثة في آنٍ واحد، فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ثلاثة على دابة"، وفي رواية أبي سعيد: "لا يركب الدابة فوق اثنين"، وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان: أنه رأى ثلاثة على بغل، فقال:"لينزل أحدكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث" وأخرج الطبراني عن علي قال: "إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم".
وقد حمل الفقهاء هذه النصوص على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة للثلاثة، فإن أطاقتهم جاز، قال ابن حجر في فتح الباري (12/520): "يحمل ما ورد في الزجر من ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلا، وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة".
وقال النووي في شرح مسلم (9/135): "مذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على دابة
إذا كانت مطيقة" وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقًا، وقال ابن حجر: "لم يصرح أحد
بالجواز مع العجز".
3- ومن المحرم في الشريعة الإسلامية وقوف الراكب على الدابة وقوفا ًيؤلمها، فقد ورد في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس".
4- ولا يجوز الركوب على ما لم يخلق للركوب كالبقرة، قال القاضي أبو بكر بن العربي: "لا خلاف في أن البقر لا يجوز أن يحمل عليها، وذهب كثير من أهل العلم إلى أن المنع من ركوبها نظرا ًإلى أنها لا تقوى على الركوب، إنما ينتفع بها فيما تطيقه من نحو إثارة الأرض وسقي الحرث".
5- ولا يجوز أن يكون مقود الدابة ضارا ًبها، فقد ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعت"، فذهب بعض أهل العلم في فهم الحديث مذهب الرحمة بالحيوان وقال: إنه أمر بقطع القلائد من أعناق الدواب مخافة اختناق الدابة بها عند شدة الركض لأنها تضيق عليها نفسها، وكراهة أن تتعلق بشجرة فتخنقها أو تعوقها عن المضي في سيرها.
رابعًا: التعسف في استعمال حق التحميل:
وحرمت الشريعة الإسلامية الإساءة إلى الحيوان بتحميله من الأثقال ما لا يطيق، وكان الصحابة الكرام يعرفون أن من حمّل دابة ما لا تطيق حوسب على ذلك يوم القيامة، فقد روي عن أبي الدرداء أنه قال لبعير له عند الموت: "يا أيها البعير لا تخاصمني عند ربك، فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك"، وعن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فدخل حائطا ً- أي بستانا - لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل؛ فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه؛ فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت؛ فقال: "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟" فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: " أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكى إليَّ أنك تجيعه وتدئبه" أي تعمل عليه عملا متواصلا، رواه أحمد وأبو داود.
وروى أحمد أيضا ًمن حديث طويل عن يحي بن مرة قال فيه: وكنت معه – أي مع النبي – جالسا ًذات يوم إذ جاء جمل يخبب حتى ضرب بجرانه بين يديه، فقال: "ويحك انظر لمن هذا الجمل؟ إن له لشأنا" قال: فخرجت ألتمس صاحبه، فوجدته لرجل من الأنصار، فدعوته إليه، فقال: "ما شأن جملك هذا" فقال: وما شأنه؟ لا أدري والله ما شأنه، عملنا عليه، ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية، فأتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه، قال: "فلا تفعل، هبه لي أو بعنيه..."، وعن سهل بن الحنظلية قال: مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لصق ظهره ببطنه فقال: "اتقوا الله في هذه البهائم فاركبوها صالحة.." رواه أبو داود وابن خزيمة، إلا أنه قال: "قد لحق ظهره".
وإذا كانت الشريعة قد حرمت ركوب ما لم يخلق للركوب من الحيوان، فقد حرمت أيضاً أن يحمل على ما لم يخلق للحمل منه كالبقر مثلا، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا ولكني إنما خلقت للحرث" قال القرطبي في الجامع (10/72) معقبًا: "فدل هذا الحديث على أن البقرة لا يحمل عليها ولا تركب" ويقول أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُم}: "في هذه الآية دليل على جواز السفر بالدواب وحمل الأثقال عليها، ولكن على قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل مع الرفق في السير".
وروى أبو داود بسنده إلى المسيب بن آدم قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب جمّالا وقال: تحمل على بعيرك ما لا يطيق؟".
| |
|
مصراوية عضوممـــــــيز
اوسمتى : عدد المساهمات : 1695 تاريخ التسجيل : 25/05/2011 العمر : 36 الموقع : مصر
| موضوع: رد: علم الحيوان الأحد أبريل 15, 2012 2:37 pm | |
| أحكام فقهية تحدد حقوق الحيوان:
كتُب الفقه الإسلامي طافحة بالأحكام المتعلقة بالحفاظ على حقوق الحيوان وهي كثيرة لا يتسع المجال لذكرها في هذه المقالة الموجزة، ومن ذلك ما قرره الفقهاء من وجوب القيام على سقي الدابة وإطعامها، وإذا قصر مالك الحيوان في ذلك أجبره القضاء عليه، فإن لم يقم للدابة بما يجب عليه من حسن تغذيتها وسقيها، باعها القاضي ولم يتركها تحت يد صاحبها تقاسي.
ويقول القاضي أبو يعلى في كتابه (الأحكام السلطانية ص 305): "وإذا كان في أربا المواشي من يستعملها فيما لا تطيق الدوام عليه أنكره المحتسب عليه، ومنعه منه وإن لم يكن فيه مُستَعدٍ - أي مخاصم-إليه، فإن ادعى المالك احتمال الدابة لما يستعملها فيه جاز للمحتسب أن يفكر فيه، لأنه وإن افتقر إلى اجتهاد فهو عرفي يرجع فيه إلى عرف الناس وعادتهم وليس باجتهاد شرعي".
وفي الفتاوى البزازية (6/370) ما نصه: "المختار أن النملة إذا ابتدأت بالأذى لا بأس بقتلها وإلا يكره، وإلقاؤها في الماء يكره مطلقًا"، لأنه تعذيب لا مبرر له، "وقتل القملة لا يكره، وإحراقها وإحراق العقرب بالنار يكره" والهرة إذا كانت مؤذية لا تضرب ولا تعرك أذنها بل تذبح بسكين حاد.
ويقول النويري في نهاية الأرب (9/258): "وسمعوا بعض المفسرين يقول في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}: إن المحروم هو الكلب".
وقال الصنعاني في سبل السلام: (1/232) بعد حديث المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها: "والحديث دليل على تحريم قتل الهرة لأنه لا عذاب إلا على فعل محرّم" ومثل هذه الأحكام في كتب الفقه الإسلامي لا حصر لها.
هذا وقد بلغ المسلمون في الرفق بالحيوان حدًا يكاد يكون متطرفاً، حتى أن عدي بن حاتم كان يفت الخبز للنمل ويقول: إنهن جارات ولهن حق، كما رواه النووي في تهذيب الأسماء.
وكان الإمام أبو إسحاق الشيرازي يمشي في طريق يرافقه فيه بعض أصحابه، فعرض لهما كلب فزجره رفيق الإمام أبي إسحاق فنهاه الإمام وقال: أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشترك.
وأمثال ذلك في تراثنا كثير، وكان الدافع إلى كل ذلك هو الرغبة الشديدة في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية نصاً وروحاً[8].
بدايات النهضة الإسلامية في علم الحيوان:
بدأ علم الحيوان لدى العرب والمسلمين كبداية علم النبات، مبنيًا على علم اللغة، وإن لم يكن له من الأنصار ما كان للنبات والعلوم الأخرى، وكان اهتمام العرب بالحيوان وعنايتهم به، أمرًا طبيعيًا جُبِلوا عليه، خاصة أن المستأنس منها كان يمثل جزءًا لا يتجزأ من حياتهم بدوًا وحضرًا.
فكانت الخيل والإبل والكلاب والشاء وغيرها عماد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والجمالية لديهم؛ لذا عندما بدأت نهضتهم إبان العصر العباسي، أضافوا إلى الأدب الملفوظ المحفوظ أدبيات صنفوها في كل نوع من أنواع الحيوان أليفه ووحشيه ووصفوها وصفًا دقيقًا، وبيَّنوا صفاتها وأشكالها وطبائعها وأسماءها وأسماء أصواتها.
كان من أول مصادرهم في الكتابة القرآن الكريم، والحديث النبوي، وديوان العرب (الشعر)، وبتطور المعارف لديهم خصصوا مؤلفات خاصة لكل حيوان، فهناك كتاب الإبل، وكتاب الخيل، وكتاب الجراد، وكتاب الشاء…إلخ. ومن العلماء من ألّف عن الحيوان مطلقًا كما فعل الجاحظ في (الحيوان)، والدّميريّ في (حياة الحيوان الكبرى)، وهما كتابان ضخمان فيهما وصف لكثير من أنواع الحيوان من طير ووحش وأسماك وحشرات وزواحف وثدييات، ووردت في ثنايا هذين المؤلَّفَيْن وأمثالهما إشارات إلى آراء لم تبحث إلا في العصر الحالي تحت مبحث علم الحيوان، مثل: السلوك الحيواني، والتشريح المقارن، والتكافل بين الحيوانات.
ولما كان اهتمام العرب والمسلمين بالحيوان وبالنبات قد بدأ من منطلق لغوي - كما ذكر من قبل - فقد اهتموا منذ صدر الإسلام برواية أسماء الحيوان والنبات وأقسامهما على أنها فصول من علوم اللغة العربية، فوردت المعلومات الأولى في معاجم اللغة، ثم في ثنايا موضوعات شتى في مصنفات متباينة كالأشعار، وكتب اللغة، والكتب الفلسفية، وكتب الطب والعقاقير، وتكاد المصنفات التي وصفها اللغويون على هيئة معاجم تخلو من التأثيرات الخارجية للثقافات الدخيلة؛ إذ كان ما تحويه من علم الحيوان معرفة عربية خالصة.
فقد كانت تورد معاني الأسماء التي تشير إلى أنواع الحيوانات المألوفة عند العرب: وحشيِّها وأليفها، ولم يكن ما تورده وقفًا على ذكر الاسم ومرادفه، بل تعدى ذلك إلى التعريف بالحيوان من حيث شكله الخارجي وطباعه وأماكن وجوده وأجناسه، وكانت هذه الدراسات المعجمية تمثل مذهب العرب في الحيوان آنذاك قبل أن تشوبه شائبة خارجية.
نستقي من المعاجم وكتب اللغة التي تناولت الحيوان، أن معرفة العرب في هذا الحقل كانت تشتمل على حصيلة كبيرة من أنواع الحيوانات؛ منها الأليف الذي قاسمهم عيشهم كالإبل والخيل والأغنام والكلاب، ومنها ما هو متوحش كان يمثل جزءًا من طعامهم كالحمر الوحشية والظباء والوعول وخلافها، ومنها ما هو متوحش ضَارٍ كالأسود والنمور والضباع والذئاب.
كما تحفل هذه المصادر أيضًا بأسماء حيوانات لم تكن معروفة في محيطهم أو أخرى خرافية كالغول والعنقاء والرخّ، وتعددت لديهم أسماء الحيوان الواحد تبعًا لمراحل تطوره من لدن حمله إلى مولده ونشأته ووسط عمره وإذا تقدمت به السن؛ فكان له اسم في كل مرحلة من هذه المراحل، وأوضح مثال على ذلك لديهم أسماء الخيل والإبل والجراد.[9].
إنجازات المسلمين في علم الحيوان
على الرغم من أن إسهام المسلمين في حقل الحيوان لم يكن واضحًا مثل إسهامهم في بقية العلوم، إلا أن لهم آراء سبقوا بها أفكار بعض المُحْدَثين؛ فعلى سبيل المثال تنسب نظرية التكافل أو المشاركة الحيوانية للفيلسوف الألماني جوته (ت 1162هـ، 1749م)، وقد أُخِذَ ذلك من عبارته الشهيرة في فاوست: "إن روحيْن يسكنان صدري"، إلا أننا نجد إشارات واضحة لدى كل من الجاحظ والقزويني والدّميري لهذه النظرية التي مفادها أن بعض الحيوانات التي تعيش في بيئة مكانية واحدة، قد يربط بينها نوع من المصلحة المشتركة؛ لذا تنشأ بينها مودة، كأن يحط طائر البقر فوق البقرة ليلتقط منها الهوام، أو كأن ينظف طائر التمساح أسنان التمساح مما علق بها من بقايا اللحوم.
فالجاحظ يقول: إن بين العقارب والخنافس مودة، والغراب مصادق للثعلب، والثعلب صديق للحية وهناك عداوة بين العقاب والحية، أما الدّميري فيؤكد على أن بين الضّبّ والعقرب مودة، وأنها تعيش في جحره لتحميه من الأعداء، فمن حاول التحرّش به ودخل جحره، سيجد العقرب مستعدة للسْعه.
أما القزويني الذي سبق الدّميري فيقول: إن الببر الهندي الضخم الذي يفوق الأسد في القوة، صديق للعقرب التي تبني لها بيتًا في شعر الببر، وأيضًا هناك صداقة قوية بين الذئب والضبع، وكذلك بين النّمر والأفعى.
ومن المشاهدات والتجارب التي عرفها المسلمون مثل غيرهم، شيء من علم الوراثة، ومن هذا القبيل يأتي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اغتربوا لا تضووا"، أي تناكحوا من غير الأقارب حتى لا يَضْوَى (يضعف) نسلكم، وقال الأصمعي في النساء: "الغرائب أنجب، وبنات العم أصبر، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن الأعجمية".
ولطالما استخدم العرب التهجين في إبلهم، واختاروا أفضل الفحول لأفراسهم، ومن قول الجاحظ في هذا المعنى: إذا ضربت الفوالج (الجمال ذات السنامين) في العراب (الإبل العربية) جاءت هذه الجوامير (الإبل الممتازة) والبُخت (الإبل الخراسانية) الكريمة التي تجمع عامة خصال العراب، وخصال البخت، ومتى ضربت فحول العراب في إناث البخت، جاءت الإبل البهوتية أقبح منظرًا من أبويها.
وفي هذا المعنى من التهجين يقول الدّميري: المتولد من الفرس والحمار، إن كان الذكر حمارًا فشديد الشَّبه بالفرس، وإن كان الذكر فرسًا فشديد الشّبه بالحمار، ومن العجب أن كل عضو فيه (الهجين) يكون بين الفرس والحمار، وكذلك أخلاقه؛ فليس له ذكاء الفرس، ولا بلادة الحمار، وكذلك صوته ومشيه بين الفرس والحمار.
ومن المسائل التي سبق إليها المسلمون أثر البيئة في الحيوانات: يورد الجاحظ عددًا غير قليل من الإشارات العلمية التي توضح فهمه لهذا الأمر، وهو أول من أشار إلى أثر الهجرة والمحيط في التغيرات التي تطرأ على حياة الحيوان، فبعضها يغيّر لونه أو سلوكه، فيقول: إن القملة تكون في الرأس الأسود الشعر سوداء، والرأس الأبيض الشعر بيضاء، وفي رأس الخاضب بالحمرة حمراء، وهذا شيء يعتري القمل كما تعتري الخضرة دود البقل وجراده وذبابه، وكل شيء يعيش فيه.
ولا يغيب أثر البيئة عند القزويني الذي يرى أن البيئة تؤثر في التوالد والتفريخ، فيقول في (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات): فالفيلة لا تتولد إلا في جزائر البحار الجنوبية، وعمرها في أرض الهند أطول من عمرها بغير أرض الهند، وأنيابها لا تعظم مثل ما تعظم بأرضها، والزرافة لا تتولد إلا بأرض الحبشة (إفريقيا الشرقية)، والجاموس لا يتولد إلا بالبلاد الحارة قرب المياه، ولا يعيش بالبلاد الباردة، والسنجاب والسمور وغزال المسك لا يتولد إلا في البلاد الشرقية الشمالية، والصقر والبازيّ والعقاب لا يتفرخ إلا على رؤوس الجبال الشامخة، والنعامة والقطا لا يفرخان إلا في الفلوات، والبطوط وطيور الماء لا تفرخ إلا في البساتين، والحجل لا يفرخ إلا في الجبال، هذا هو الغالب، فإن وقع شيء على خلاف ذلك فهو نادر.
ولإخوان الصفا رأي في الحيوان لم يُسبَقوا إليه، وإن كان رأياً فلسفياً أكثر منه علمياً، ففي ثنايا حديثهم عن الخلائق يوردون الرأي التالي: صورة النبات منكوسة الانتصاب إلى أسفل لأن رؤوسها نحو مركز الأرض، ومؤخرها نحو محيط الأفلاك، والإنسان بالعكس من ذلك؛ لأن رأسه مما يلي الفلك ورجليه مما يلي مركز الأرض، في أي وضع وقف على بسيطها شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالاً من الجوانب كلها، ومن هذا الجانب، ومن ذلك الجانب، والحيوانات متوسطة بين ذلك لا منكوسة كالنبات ولا منتصبة كالإنسان، بل رؤوسها إلى الآفاق، ومؤخرها إلى ما يقابله من الأفق الآخر كيفما دارت وتصرفت في جميع أحوالها.
ويدللون على قدرة الخالق بالمقارنة بين الفيل أضخم الحيوانات والبَقَّة أهون الحشرات: إن أكثر الناس يتعجبون من خلقة الفيل أكثر من خلقة البقة، وهي أعجب خلقة وأظرف صورة؛ لأن الفيل ـ مع كبر جثته ـ له أربع أرجل وخرطوم ونابان خارجيان، والبقة ـ مع صغر جثتها ـ لها ست أرجل وخرطوم وأربعة أجنحة وذنب وفم وحلقوم وجوف ومصارين وأمعاء، وأعضاء أخرى لا يدركها البصر، وهي مع صغر جثتها مسلطة على الفيل بالأذية، ولا يقدر عليها، ولا يمتنع بالتحرز منها. [10]
المسلمون والتصنيف الحيواني:
كان التصنيف الحيواني كذلك من إنجازات المسلمين وإسهاماتهم المميزة في علم الحيوان، فلم يكن تقسيمهم للحيوان موحدًا، فقد بدأ عامّاً مطلقًا؛ إذ قسموا الحيوانات إلى أليفة ومتوحشة وضارية، ثم لما انتقلوا من الوصف اللغوي إلى التناول شبه العلمي، قسَّموها إلى نوع يمشي وآخر يطير وثالث يسبح ورابع ينساح (يزحف)، ومنهم من قسمها إلى تام وناقص.
فالقزويني - مثلاً - يجعل الحيوان في المرتبة الثالثة من الكائنات بعد أن جعل الأولى والثانية للمعادن والنباتات على التوالي، وقسّم الحيوان بدوره إلى أنواع متعددة جعل الإنسان في قمتها؛ فهو أشرف الحيوانات وخلاصة المخلوقات.
وصنّف الحيوان إلى سبعة أقسام: الإنسان، والجن، والدواب؛ وذكر منها: الفرس، والبغل، والحمار، وحمار الوحش وغيرها، وبيّن خواص كل منها، ثم النَّعَم؛ وهي حيوانات كثيرة الفائدة شديدة الانقياد، ليس لها شراسة الدواب ولا نفرة السباع، كالإبل والبقر والجاموس والزراف وغيرها، ثم السباع كابن آوى وابن عرس والأرنب والخنزير والذئب والضبع والفهد والفيل والكركدن والكلب والنمر، ثم الطير ومنها أبو براقش والأوز والباقش والببغاء والبلبل والحبارى والحدأة والحمام والخفاش، ثم الهوام والحشرات، وهذا النوع لا يمكن ضبط أصنافه لكثرته: كالأرضة والبرغوث، والأفعى، والجراد، والحرباء، والحلزون، والخنفساء.
أما الجاحظ فقد ذهب في ذلك شوطًا بعيدًا، حيث قسم الحيوانات إلى فصائل؛ ففي باب الحيوانات ذات الأظلاف يذكر الظباء والمعز والبقر الوحشي والبقر الأهلي والجواميس والوعول والتياتل، ومن خلال حديثه عن هذه الفصيلة ترد ملاحظات علمية كأن يقول: "إن البقر الوحشي أشبه بالبقر الأهلي، وإن الوعول والتياتل حيوانات جبلية".
ويقسم الجاحظ الحيوان عامة إلى أربعة أقسام: شيء يمشي، وشيء يطير، وشيء يسبح، وشيء ينساح، إلا أن كل طائر يمشي، ولا يسمي الذي يمشي ولا يطير منها طائرًا، كما أنه ليس كل ما طار من الطير؛ فقد يطير الجعلان، والذباب والزنابير والنمل والأرضة لكنها لا تسمى طيرًا، كما أن ليس كل عائم سمكًا على الرغم من مناسبته للسمك في كثير من الصفات؛ إذ إن في الماء كلب الماء وخنزير الماء والسلحفاة والضفدع والتمساح والدلفين.
أما الحيوان عند إخوان الصفا فصنفان: تام الخلقة، وناقص الخلقة، تام الخلقة: هو الذي ينزو ويحبل ويلد ويرضع، أما ناقص الخلقة: فهو كل حيوان يتكون من العفونات، ومنها ما هو كالحشرات والهوام وما هو بين ذلك، كالتي تنفذ وتبيض وتحضن وتربي.
وأشار إخوان الصفا إلى التطور في خلق الحيوان: ثم إن الحيوانات الناقصة الخلقة متقدمة الوجود على التامة الخلقة بالزمان في بدء الخلق، وذلك أنها تتكون في زمان قصير، والتي هي تامة الخلقة تتكون في زمن طويل.
وقسموا الحيوانات وفق بيئاتها: فمنها سكان الهواء، وهي أنواعٌ: الطيور أكثرها والحشرات جميعًا، ومنها سكان الماء، وهي حيوانات تسبح في الماء كالسمك والسرطان والضفادع والصدف ونحو ذلك، ومنها سكان البر؛ وهي البهائم والأنعام والسباع، ومنها سكان التراب وهي الهوام.[11]
الطب البيطري وعلم الحيوان عند المسلمين
يعد الطب البيطري وتطوره عند المسلمين من العلامات المميزة على إنجازات المسلمين في مجال علم الحيوان بصفة عامة؛ فلقد تطور الطب البيطري في ظل الإسلام ولاقى عناية كبيرة بفضل تعاليم الإسلام التي تأمر بالرفق بالحيوان، وبحسن تغذيته والعلاج في حينه، وعدم تحميله فوق طاقته ومنع قتل الحيوان إلا لمنفعة أو لسبب إنساني.
ومن قواعد الشريعة (قوانين الدولة الإسلامية) تحريم استعمال المناخس المعدنية الجارحة لدفع الحيوان على الإسراع، وتحريم خرم الأنف لشد الحيوان منه لأنه يؤلم، وتحريم الوشم على الوجه لأنه يشوه، وإذا ذبح الحيوان ذبحا غير شرعي أي بما يشترطه الشرع من الرفق والتكبير وسَنِّ الشفرة فإن لحمه يصبح حراما.
وقد نهى الإسلام عن اتخاذ أي حي - سواء حيوانا أو طائرا - غرضا لمجرد التدريب على الرماية أو جرحه لمجرد التسلية أو اللهو (كما في مصارعة الثيران) - على نحو ما بينا سابقا - فقد كانت محرمة على عهد الدولة الإسلامية في الأندلس لما فيها من تعذيب للحيوان.
وقد كان لهذه التعاليم الفضل في عناية المسلمين بعلم الحيوان والطب البيطري، وكان اهتمام المسلمين الأعظم بالفَرَس لأنه رفيقهم في الحرب والجهاد، فكتبوا عن أنواع الخيل وخصائص كل نوع وعيوبه ومميزاته، ثم كتبوا عن أمراضه وعلاجاتها، كما أعطوا اهتماما كبيرا للصقور لعلاقتها بالصيد والرياضة، ورغم أن كتاب الحيوان للجاحظ قد غلب عليه الطابع الأدبي إلا أنه يحوي من الحقائق العلمية عن الحيوانات ما يستحق وضعه في أبواب العلم.
ومن ذلك ما فصله عن خصاء الحيوانات ومنافعه ومضاره فمن ذلك قوله: (وخصاء الحيوان يكون في سبيل تسمينه أو توفير قوته للحمل، أو الجر، أو الجرى في السباق، أو لإخفاء صوته كما تخصى خيل الغزو كيلا تصهل فتنبه العدو لمكانها) ويتحدث عن أثر التزاوج بين جنسين من الحيوان مثل الذئب والكلبة، والحمار والفرس، والحمام البرى والأليف، وهو أول من بين أن خصية واحدة تكفي للتناسل، وأن الحيوان منزوع إحدى الخصيتين يعيش طبيعيا.
وقد اهتم المسلمون بعلم تشريح الحيوان وأقيمت أول مشرحة على نهر دجلة في بغداد... وكان الهدف منها:
أولا: تعليم طلبة الطب جسم الإنسان عن طريق ما يسامى (بالتشريح المقارن(
فكان الاهتمام في هذا المجال بالقردة المستوردة من النوبة، وهي فصيلة خاصة شبيهة في تركيبها بجسم الإنسان.
| |
|
مصراوية عضوممـــــــيز
اوسمتى : عدد المساهمات : 1695 تاريخ التسجيل : 25/05/2011 العمر : 36 الموقع : مصر
| موضوع: رد: علم الحيوان الأحد أبريل 15, 2012 2:38 pm | |
| ثانيا: تعلم الطب البيطري ورعاية الحيوان:
ويذكر سارتون أن من أهمية علم البيطرة عند المسلمين ولشدة احترامهم لهذه المهنة تجد الكثير من العائلات تأخذ كنية البيطري، ومن ذلك عالم النبات المشهور (ابن البيطار) الذي يدلنا نسبه أن أباه كان متخصصا في علاج الحيوانات، وأن هذا العلم قد أصبح فرعا متخصصا من فروع العلاج في ذلك الوقت المبكر في التاريخ الإسلامي.
ولكي نعطي القارئ فكرة عن المدى الذي وصل إليه المسلمون من التطور العلمي في ميدان الطب البيطري.. حسبنا أن نسرد بعض الأبواب من كتاب (الفروسية) الذي ألفه أحمد بن الحسن بن الأحنف (البيطار) في سنة 1200م، وهو عبارة عن موسوعة علمية في أمراض الخيل ورعايتها[12].
فالباب الأول: يتناول دراسة أسنان اللبن والأسنان الثابتة.. والباب الثاني: عن المظهر الخارجي والصفات العامة المميزة للفرس والحمار والبغل، والباب الثالث: وظائف الأعضاء الخارجية، والباب الرابع: عن الفروسية وطريقة الركوب، والباب الخامس: عن سباق الخيل، والباب السادس: عن العيوب الوراثية في الخيل، والباب السابع: عن الصفات السيئة والعيوب الجسمية، والباب الثامن: تقسيم البطن، والباب التاسع: عن أمراض الرأس والعيوب الخلقية، بها أمراض: الرقبة والحلق (11) أمراض الكتف والصدر (12) أمراض الظهر (13) الأمراض الد اخلية والباطنية (14) الذيل وعيوبه (15) الفخذ والساق (16) أمراض الأعصاب (17) الكسور والخلع وجبرها (18) حميات الخيل (19) الأمراض الجلدية مثل الجرب والحكة والدمامل والجدري والجذام والحروق (ص 287) (20) الجنون والهيجان (21) العلاقات الجنسية والتناسلية (22) الإجهاد من الحر والبرد (23) الضعف العام والهزال (24) التسمم من النباتات السامة (25) مرض الكلب (26) قرص العقرب والثعبان وعلاجها.
هذه الموضوعات العريضة والدقيقة التي يطرقها المؤلف في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي تدلنا على مدى اهتمام المسلمين بالبيطرة وعلاج الحيوان.. وعلى إنجازاتهم وتفوقهم في هذا الميدان[13].
رواد المسلمين في علم الحيوان وأهم إنجازاتهم
كان من أشهر الذين ألّفوا عن الحيوان وغلب على تناولهم الطابع اللغوي: النضر بن شميل (ت 204هـ، 820م)، ومن آثاره كتاب (الصفات في اللغة)، الذي يتكون من خمسة أجزاء، خصص الجزء الثالث منه للإبل،كما تناول الغنم والطير وخلق الفرس من بين ما تناول في الجزأين الرابع والخامس.
وكذلك أبو زياد بن عبدالله الكلابي (ت نحو سنة 200هـ، 815م) وله كتاب (الإبل)، وهشام الكلبي (ت 204هـ، 819م) ومن تصانيفه (أنساب الخيل)، وأبو عبيدة التَّيمي (ت 207هـ، 823م) ومن مؤلفاته في الحيوان: كتاب الفرس؛ كتاب الإبل؛ كتاب الحيات؛ كتاب أسماء الخيل؛ كتاب البازي.
والأصمعي (ت 214هـ، 829م) ومن مصنفاته: خلق الفرس؛ الخيل؛ الإبل؛ الشاء؛ كتاب الوحوش، وابن السكيت (ت 243هـ، 857م)، ومن تصانيفه: كتاب الوحوش؛ كتاب الحشرات؛ كتاب الإبل، والدينوري (ت 282هـ، 895م) وله كتاب الخيل.
وهذا عرض ببعض من التفصيل لأبرز وأشهر علماء المسلمين الذين تناولوا الحيوان في أبحاثهم على النحو التالي:
الجاحظ:
ألّف أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255هـ، 869م) موسوعته الضافية بعنوان "الحيوان"، وهي مصنف يحتوي على معظم المعارف والمسائل الفلسفية والدينية والسياسية والجغرافية والطب والقرآن والحديث والفكاهة، أما بحثه في الحيوان، فقد درس فيه سلوكه وأعضاءه وتطوراته وطعامه وشرابه وسلاحه وطباعه وأمراضه وعمره وموطنه وأثر البيئة فيه وعلاقته بغيره من الحيوان.
قسَّم الجاحظ كتاب الحيوان إلى سبعة فصول، يتناول الجزءان الأول والثاني المناظرة بين الديك والكلب، مدعمًا رأي كل منهما بالآيات القرآنية أو الأحاديث النّبَوية أو الحكايات والحكم، ويتناول في الفصلين الثالث والرابع الحمام وأنواعه وطبائعه، والذباب والغربان والجعلان والخنافس والخفاش والنمل والقرود والخنازير والثيران، وفي الخامس والسادس يواصل البحث عن الثيران، ثم ينتقل إلى أجناس البهائم والطير الأليف، ويعقد مقارنة بين الإنسان والحيوان، ثم يتكلم عن الضب والهدهد والتمساح والأرنب، وفي الفصل السابع يتحدث عن الزرافة والفيل وذوات الأظلاف.
تناول الجاحظ في ثنايا كتاب الحيوان سلوك الحيوان والطير والحشرات، وفي سياق ذكره لطبائع الحيوانات يذكر ملاحظاته عن حاسة الشم الشديدة لدى بعض الحيوانات، والتعرق وتأثير المحيط على الحيوان، ويعطي أحيانًا بعض الملاحظات الفسيولوجية للمظاهر الخارجية للحيوانات كذوات الشعر وذوات الوبر وذوات الصوف وذوات الريش، وفي الكتاب معلومات غنية تتصل بتزاوج الحيوانات وتناسلها وعلاقاتها بأولادها.
كما اشتمل على ملاحظات علمية صحيحة كقوله: إن الخفافيش تلد ولا تبيض، وترضع، أما التمساح والسلحفاة والضفدع فإنها تبيض وتحضن بيضها، ومن ملاحظاته أن جميع الحشرات وجميع العقارب والذبابات والأجناس التي تعض وتلسع تكمن في الشتاء دون أكل أو شرب ما عدا النمل والنحل، فإنها تدخر ما يكفيها أثناء فترة سباتها.
ولم يكن الجاحظ يدلي برأيه في مسألة إلا بعد التمحيص الشديد، وقد قاده ذلك إلى إجراء العديد من التجارب ليثبت صحة ما ذهب إليه، من هذه التجارب تأثير الخمر في الحيوانات، والتولد الذاتي، ومما ذكر أنه إذا وُضِع "عقرب مع فأرة في إناء زجاجي، فليس عند الفأرة حيلة أبلغ من قرض إبرة العقرب؛ فإما أن تموت من ساعتها، وإما أن تتعجل السلامة منها، ثم تقتلها كيف شاءت وتأكلها كيف أحبت"، والتجربة توضح طبائع الحيوانات، وصراعها، وأيها أقتل للآخر.
ومن استقراء تجارب الجاحظ نجد أنه أشار إلى أثر العادة في الحيوان وبخاصة الكلب فيقول: إن له صديقًا "حبس كلبًا له في بيت وأغلق دونه الباب، في الوقت الذي كان طباخه يرجع فيه من السوق ومعه اللحم، ثم أَحَدَّ سكينًا بسكين فنبح الكلب، وقلق، ورام فتح الباب لتوهمه أن الطباخ قد رجع بالوظيفة (حصته من الطعام) وهو يحد السكين ليقطع اللحم، فلما كان العشي صنعنا به مثل ذلك لنتعرف حاله في معرفة الوقت فلم يتحرك"، وهذه التجربة تذكرنا بتجربة بافلوف التي أطلق عليها في علم النفس نظرية التعلم الشرطي، وفي ضوء هذه التجارب والملاحظات عَدَّه البعض أول علماء الحيوان التجريبيين. [14]
ونود أن ننوه هنا بأن كتاب الحيوان للجاحظ أديب العربية جدير بأن يطالعه كل مثقف عربي يهتم بماضي العرب وحاضرهم ومستقبلهم، ويريد أن يصل فرعه بجذور ثقافته الأصلية.
فالكتاب من أهم ما بقي من كتب الجاحظ، وأنه من أول الثمار التي أنتجتها دراسة العرب المسلمين للطبيعة، كما أنه وثيق الصلة بعلم الكلام؛ لأن مؤلفه سعى إلى إظهار وحدة الطبيعة، وإثبات أن الأجزاء المكونة لها، متساوية القيمة في نظر المتأمل، وأن الجاحظ لم يقتصر على دراسة الحيوانات الكبيرة فحسب، بل أظهر شيئا من الميل الى دراسة الحشرات والمخلوقات المتناهية في الصغر.
وقد ذكرت دائرة المعارف: إن في الكتاب نظريات علمية كالتطور والتأقلم، وعلم النفس الحيواني، ولكنها كانت في دور التكون حينئذ، واكتملت في أيامنا هذه، وقد شبه بعض الدارسين الجاحظ بـ ديكارت، فكل منهما يلجأ إلى الشك في سبيل الوصول إلى الحقيقة، ولكن الفرق بينهما أن ديكارت يشك في كل شيء، على حين أن الجاحظ يجعل لليقين مواضع موجبة له، وللشك مواضع موجبة له، فلا يجعل كل شيء موضعا للشك.
يذكر الباحثون أن الجاحظ ألف كتاب الحيوان وهو ابن سبعين سنة، أي بعد أن اختمر عقله واستوى فكره واتسعت تجربته، وقد أَلَّفه وهو مصاب بداء الفالج في الجانب الأيسر من جسده.[15]
ابن مسكويه:
تناول أحمد بن يعقوب بن مسكويه الخازن (ت 421هـ،1030م) علم الأحياء عمومًا في كتابه الفوز الأصغر، وقسّم فيه الكائنات الحية إلى مراتب من حيث قبول حركة النفس، أي حركة القوة، وتناول فيه أهم خصائص النبات من حيث إنها مثبَّتة في التربة بالجذور على عكس الحيوانات؛ إذ إن الحيوانات قادرة على الانتقال من مكان إلى آخر؛ لأنها مزودة بأعضاء تساعد على الحركة.
وقسّم الحيوانات إلى أقسام وضع كل قسم منها في وضعه الملائم من الشجرة الحيوانية، وذكر تأثير البيئة على جميع الأحياء من حيث التطور الإدراكي والعقلي، وتحدث عن الحيوانات الدنيئة، والحيوانات ناقصة الحواس، وتلك التي استكملت حواسها الخمس.
فالحيوانات الدنيئة عنده تلك التي لم تستوف الصفات الحيوانية الكاملة، والتي تشابه النباتات في صفاتها، كالسوطيات التي تشبه الحيوانات في أنها قادرة على الانتقال والحركة، وتشارك النبات في قدرتها على التركيب الضوئي، وكالأصداف والحلزون، "وليس لهما من صفات الحيوانية إلا حس واحد، وهو الحس العام الذي يقال له: حس اللمس".
أما الحيوانات ناقصة الحواس الخمس فيمثل لها بالخُلد، وهو حيوان قارض، فقد البصر بتأثير البيئة، تُولد صغاره بعيونها، غير أن عيونها سرعان ما تضمر ويغطيها الشعر في جحورها المظلمة تحت الأرض، ومن أمثلة الحيوانات ناقصة الحواس النمل، ومنه أنواع لا عيون لها، إلا أن باقي حواسها مُستكْمَل قوي كحاسة الشم، ومن النواقص أيضًا الحيوانات التي ليس لها جفون كالحيات وكثير من ذوات الفقار كالأسماك الكبيرة التي ليس لعيونها جفون.
أما الحيوانات المستكملة الحواس الخمس فهي عنده على مراتب متفاوتة، منها البليدة الجافية الحواس، ومنها الذكية اللطيفة الحواس التي تستجيب للتأديب، وتقبل الأمر والنهي كالفرس من البهائم والبازي من الطير، أما القردة وما شاكلها فقد وضعها في قمة مرتبة الثدييات لكنها أحط من مرتبة الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالمواهب من قبول التأديب والتمييز والاهتداء إلى المعارف.
الدّميريّ:
ألّف كمال الدين أبو البقاء محمد بن موسى الدميري (ت 808هـ، 1405م) كتاب (حياة الحيوان الكبرى)، ويذكر أنه قد جمعه من 560 كتابًا و199 ديوانًا من دواوين الشعر العربي، وترجم جياكار معظم هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية عام 1906م.
وجاء ترتيب هذا الكتاب على حروف المعجم، ويبدأ كل مادة بتعريف اسم الحيوان، وشرح الاسم شرحًا لغويًا، ويورد الأسماء التي يُكنى بها الحيوان مقتبسًا ذلك من مؤلفات فقهاء اللغة كابن سيده والقزويني والجاحظ والجوهري، ثم يتلو ذلك وصف الحيوان، وذكر طباعه وأنواعه، ويورد أحيانًا قصصًا اشتهرت عن حيوان بعينه مثل: البراق، والعنقاء، وهدهد سليمان، وحوت موسى، وفرس فرعون.
وخلط هذا الكتاب العلم بالأدب والحقائق بالخرافات، وأورد أشياء خاطئة، وهذا مثال مما كتبه عن الدجاج: "كنية الدجاجة أم وليد وأم حفص وأم جعفر وأم عقبة، وإذا هرمت الدجاجة لم يخلق منها فرخ، والدجاج مشترك الطبيعة، يأكل اللحم والذباب، وذلك من طباع الجوارح، ويأكل الخبز ويلتقط الحب، وذلك من طباع الطير، ويُعرف الديك من الدجاجة وهو في البيضة، وذلك أن البيضة إذا كانت مستطيلة محدودة الأطراف فهي مخرج الإناث، وإذا كانت مستديرة عريضة الأطراف فهي مخرج الذكور، والفرخ يخرج من البيضة تارة بالحضن، وتارة بأن يدفن في الزبل ونحوه، ومن الدجاج ما يبيض مرتيْن في اليوم، والدجاجة تبيض في جميع السنة إلا في شهرين، ويتم خلق البيض في عشرة أيام، وتكون البيضة عند خروجها لينة القشر، فإذا أصابها الهواء يبست، وأغذى البيض وألطفه ذوات الصفرة، وأقله غذاء ما كان من دجاج لا ديك لها، وهذا النوع من البيض لا يتولد منه حيوان".
ويكثر من ذكر الشواهد الأدبية والأحكام الشرعية مبيّنًا الحلال والحرام، ويورد النوادر اللطيفة عن كل حيوان، ويعلل رؤية هذا الحيوان أو ذاك في المنام. [16].
وهذا جدول يوضح أشهر علماء الأحياء وأهم مؤلفاتهم:
أشهر علماء الأحياء وأهم مؤلفاتهم أشهر علماء الأحياء وأهم مؤلفاتهم
المؤلف تاريخ وفاته أهم مؤلفاته
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ 255هـ، 869م الحيوان
الكندي، يعقوب بن إسحاق 260هـ، 873م كتاب الأدوية الممتحنة
أبو زيد حنين بن إسحاق العابدي 264هـ، 878م كتاب الفلاحة؛ كتاب النبات
السكري، أبوسعيد الحسن بن الحسين 275هـ، 889م كتاب الوحوش
ابن قتيبة الدينوري، عبدالله بن مسلم 276هـ، 890م كتاب الخيل
حبش بن الحسن الأعسم 280هـ، 894م كتاب التغذية
أبو حنيفة الدينوري 282هـ، 896م كتاب النبات
أبو الحسن ثابت بن قرة 288هـ، 900م جوامع كتاب الأدوية المفردة لجالينوس
أبو يعقوب، إسحاق بن حنين 298هـ، 911م كتاب النبات لأرسطو
الحامض البغدادي، أبو موسى 305هـ، 917م كتاب الوحوش
قسطا بن لوقا البعلبكي 311هـ، 923م الفلاحة الرومية
الرازي، أبوبكر محمد بن زكريا 320هـ، 932م الحاوي
القيرواني، أبو يعقوب إسحاق نحو سنة 320هـ، 932م كتاب الأدوية المفردة والأغذية
محمد بن الحسن بن دريد الأزدي 321هـ، 933م كتاب الخيل الكبير؛ كتاب الخيل الصغير
أبوالفرج البالسي 334هـ، 946م التكميل في الأدوية المفردة
أبوجعفر بن أبي الأشعث 360هـ، 970م كتاب الأدوية المفردة؛ كتاب الحيوان
ابن خالويه، أبوعبدالله الحسين 370هـ، 980م كتاب الأسد
أبوعبدالله، محمد بن سعيد التميمي بعد سنة 370هـ، 980م رسالة في صنعة الترياق الفاروقي
ابن جلجل، أبو داود سليمان نحو سنة 372هـ، 982م كتاب تفسير أسماء الأدوية المفردة
ابن سمحون، أبوبكر حامد بعد سنة 392هـ، 1002م كتاب الأدوية المفردة
أبو إسحاق بن بكوس العشاري نحو سنة 395هـ، 1005م أسباب النبات لثاوفرسطس
المجريطي، مسلمة بن أحمد 398هـ، 1007م الطبيعيات وتأثير النشأة والبيئة على الكائنات الحية.
ابن مسكويه، أحمد بن يعقوب الخازن 421هـ، 1030م الأدوية المفردة؛ الفوز الأصغر؛ تهذيب الأخلاق
ابن سينا 428هـ، 1036م القانون؛ الشفاء
أبو علي، محمد بن الحسن بن الهيثم 429هـ، 1038م كتاب في قوى الأدوية المفردة
البيروني، أبو الريحان 440هـ، 1048م كتاب الصيدنة
أبو الحسن، علي بن جعفر 453هـ، 1061م الأدوية المسهلة؛ الأدوية المفردة
أبو سعيد، بن بختيشوع 453هـ، 1061م طبائع الحيوان وخواصها
ابن وافد اللخمي، أبو المطرف 460هـ، 1067م شرح كتاب ديسقوريدس
ابن جزلة، أبو علي يحيى بن عيسى 473هـ، 1080م منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان
أبو حيكيم، ظافر بن منصور السكري بعد سنة 482هـ، 1089م مقالة في الحيوان
أبو عبيد الله، البكري المرسي 487هـ، 1094م أعيان النبات والشجريات الأندلسية
ابن الصائغ الأندلسي (ابن باجة) 533هـ، 1138م كلام على بعض كتاب النبات لأرسطو
الغافقي، أبوجعفر أحمد بن محمد 560هـ، 1164م كتاب الأعشاب؛ الأدوية المفردة
الشريف الإدريسي 560هـ، 1165م الجامع لصفات أشتات النبات
هبة الله بن جعفر 608هـ، 1211م مختصر كتاب الحيوان للجاحظ
موفق الدين، عبداللطيف البغدادي 629هـ، 1231م مختصر كتاب الحيوان للجاحظ؛ مختصر كتاب النبات للدينوري
ابن الرومية، أبو العباس بن مفرج 637هـ، 1239م تفسير أسماء الأدوية من كتاب ديسقوريدس
رشيد الدين الصوري 639هـ، 1241م كتاب النبات
ابن البيطار 646هـ، 1248م الجامع في الأدوية المفردة
القزويني، زكريا بن محمد 682هـ، 1283م عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات
شهاب الدين النويري 732هـ، 1331م نهاية الأرب
كمال الدين أبو البقاء الدميري 808هـ، 1405م حياة الحيوان الكبرى
المقريزي، أحمد بن علي 845هـ، 1441م نحل عبر النحل
علماء الحيوان المسلمون في العصر الحديث
الدكتور محمد محمد عناني:
هام على وجهه في البلاد مشرقا ومغربا.. شاخصا بصره إلى السماء.. يبحث عن كل طائر حَطَّ على أرض بلاده ولو ضيفا لمرة واحدة، كان يتطلع إلى أن يسد فراغا هائلا في المكتبة العربية لم يملأه أحد من قبل.. فسجل كل صغيرة وكبيرة عن طيور وطنه الحبيب في موسوعته المبهرة "طيور مصر".. إنه الدكتور محمد محمد عناني، الذي قضى أكثر من عشرين عاما يعد موسوعته تلك.. يرصد ويشاهد ويفحص كل طيور مصر المستوطنة والزائرة، فلم تقتصر حياته على كتابة هذا المرجع فحسب، بل شغل نفسه بحكاياتها ليلا ونهارا، وكان يتمنى ألا يوافيه الأجل قبل أن يرى كتابه النور، ولكنه رحل عن دنيانا والكتاب ما يزال تحت الطبع.
وكجميع المخلصين لم يأبه الدكتور عناني بأي منصب أو مال بل أنفق كل ما ورثه من مال وفير على طيوره؛ فاقتنى آلاف الكتب، وقرأ التراث العربي والإسلامي بدقة كما يبدو ذلك جليًّا في لغته وأشعاره التي يستشهد بها، حتى إنه أورد بابا في كتابه عن أحكام الصيد الشرعية، ويشير ولده د. محمد محمد محمد عناني الأستاذ بجامعة القاهرة في مقدمة الموسوعة أن كاتبنا اشترى قطعة من الأرض في بلدة (رشيد) وحولها إلى جنة غناء فقد كان يرى في الطير المثل العليا للحرية والجمال والانطلاق.
"أهم ما دفعني إلى تأليف هذا الكتاب هو أنه لا يوجد مؤلف خاص عن طيور مصر باللغة العربية يحوي كل طائر بصورته".. كان هذا سببا رئيسيا دفع الدكتور عناني إلى تسجيل هذه الموسوعة التي اعتمد فيها على مراجع كثيرة كان أهمها (طيور مصر) للكولونيل مينرتز هاجن -وهو باللغة الإنجليزية- وكان يرى أن عدم الإقبال على تأليف كتب باللغة العربية في هذا المجال يرجع إلى أنها ليست مادة حيوية تدرس في المدارس والجامعات حيث إن أهم ما يعنى به الطالب هو دراسة المادة التي تؤهله لأن ينجح، بخلاف الأوربيين فإن هواية الطيور عندهم وخاصة الإنجليز والألمان من أمتع الهوايات.
المسخرات في جو السماء:
ونستطيع أن نقسم هذه الموسوعة العملاقة إلى جزأين: الأول منها اختار فيه الدكتور عناني عناوين متفرقة تحتها معلومات مهمة وحيوية عن الطيور وعالمها، مثل الطيور التي يحميها القانون في مصر والتي تزيد على 29 طائرا (في مطلع الستينيات)، ثم ينتقل بنا إلى أهم ما قيل عن هجرتها ونموها بين التكاثر والانقراض، ثم سرد بصورة غير مفصلة لبعض طرق صيد الطيور مع نبذة عن تاريخها.. فيوضح الكاتب أن صيد الطيور يتم بطريقتين، إما بقتلها ببندقية أو ما شابه، أو صيدها حية مثل صيد السمان في مصر بالشباك واستغلال طيرانه منخفضا فوق سطح البحر مباشرة.. أو بطريقة "الدبق" المنتشرة في شمال الدلتا، حيث يلزق على عود الدبق عجينة لزجة تلتصق بأرجل الطائر حينما يقف عليه.
وقد كان قدماء المصريين من أشهر الشعوب المولعة بصيد الطيور، وقد عثر على أكثر من 12 طائرا هيروغليفيًّا مرسوما رسما كروكيا على جدران المعابد والمقابر، وخاصة في سقارة وأهرام أوناس وبني حسن، مثل طيور الكركي والبلبول والقبطي والخطاف المصري والبومة البيضاء، كما وجدت صور للإوز والحمام والنعام والسمان.
ويذكر الكاتب تحت عنوان: التكاثر والانقراض بعض المعلومات الطريفة عن غزل الطيور فيقول: إنه بحلول الربيع تبدأ الذكور -وهي التي اختصها الله بالجمال دون الإناث- في عرض زينته، وإبراز جمال ألوان ريشه، وغنائها بعذب الألحان لاستجلاب قلوب الإناث فيتم التزاوج، ثم تبيض ويفقس البيض خلال 14 يوما إلى شهرين بحسب نوع الطائر، الميجابود Mega pode يضع البيض على الرمل ويتركه لدفء التربة، أما الكوكو فيتطفل على عُشِّ غيره ويضع بيضه فيه.. ويخيط العصفور الخياط الذي يقطن الهند ورقتين من أوراق النبات ليضع عليها بيضه.. وقد ثبت أن هرمونا تفرزه الغدة النخامية في جسم الأنثى (البرولاكتين) ينبه إلى إفراز "اللبأ" في بعض الطيور كالحمامة وهو سائل أبيض غليظ القوام تفرزه حويصلة الحمامة وتطعم بها أفراخها وهو أشبه بلبن الأم.
ولكن هذا التكاثر لا يكفي لتعويض انقراض الطيور والذي يرجعه الكاتب إلى عدة أسباب من أهمها: تجفيف الكثير من البرك المائية والمستنقعات مثل بحيرتي إدكو والمنزلة؛ مما أدى إلى اختفاء كثير من الطيور المائية، مثل البط والبكاشنية الخواضة والعصافير المغنية (الهوازج Warblers)، ويأتي الزحف العمراني وتحويل المناطق الزراعية إلى مصانع ليكون سببا آخر مهما لانقراض بعض أنواع الطيور، هذا إلى جانب اختفاء مناطق لغابات كانت تحمل بين أشجارها أنواعا نادرة، مثل الببغاوات وطيور الفردوس.. حيث عَدَّدَ الكاتب ما يقرب من 28 طائرا ما بين منقرض بالفعل أو متواجد فقط بالعشرات.
الطيور: كيف تُسمَّى؟
وتحت عنوان أسماء الطيور يناقش الكاتب الكيفية التي يتم بها تسمية الطيور في اللغات المختلفة ويقول: إن هذا الأمر يعتمد على عدة سبل هي:
(1) من منطق أصواتها: وهذا هو الأصل في التسمية وتشترك في ذلك معظم اللغات فمثلا يسمى الهدهد بالإنجليزية Hoopoe وهذا الاسم اشتقه الإنجليز من صوته وهوhoop-hoop.. حتى في اللغة العربية فإن اسم الهدهد أخذه العرب من صوته وهو الهَدْهَدَة، أيضا طير (الوروار)؛ لأن في ندائه يصيح بما يشبه هذه الكلمة (ور – ور).
(2) من تشابه أصواتها بكائنات أخرى: وهذا في كثير من اللغات مثل طائر القط وسمي هكذا لأن صوته كمواء القط أو في العربية مثل البومة البيضاء والتي تسمى عندنا (المصاصة)؛ لأن نداءها يشبه مص الإنسان للماء.
(3) من بناء أجسامها ومميزات خاصة بها: مثل الشحرور الذي يسمى بالإنجليزية Blackbird لعموم السواد بجسمه أو أبو قرن hornbill، أما اللغة العربية فتحفل بذلك الأمر مثل: البط أبو سبلة والتفاحي المسمى هكذا لحمرة صدره.
(4) من أعمالها وحركاتها: مثل Dipper أي المنغمس في الماء وWeaver النساج، وفي اللغة العربية أيضا نجد "المدروان" الذي يدور تقريبا حول معظم الكرة الأرضية، أو الأطيش لما عرف عنه من الطيش والبلادة في إلقاء نفسه من علو شاهق وارتطامه بالماء.
هذا فضلا عن تسميات أخرى بحسب الأمكنة أو بحسب اسم الشخص الذي اكتشفه.. ويختم هذا الجزء بمعلومات لطيفة عن الطيور، أطرفها ما قيل عن الغراب المغرم بالسرقة، وإن لم يستفد شيئا من المسروق؛ فهو قد يحمل إلى عشه بعض قطع النقود أو الملاعق والصابون.
| |
|
مصراوية عضوممـــــــيز
اوسمتى : عدد المساهمات : 1695 تاريخ التسجيل : 25/05/2011 العمر : 36 الموقع : مصر
| موضوع: رد: علم الحيوان الأحد أبريل 15, 2012 2:39 pm | |
| كل طير نزل مصر:
أما الجزء الثاني من الموسوعة فهو الجزء الأكبر، ويضم ما يقرب من 700 إلى 800 طائر وطيء بقدمه أرض مصر، وقد اعتمد الكاتب بصورة أساسية على كتاب طيور مصر للكولونيل هاجن، بدأ الكاتب بتصويب بعض الأخطاء القليلة التي ذكرت في هذه الموسوعة رغم امتنانه الشديد لجهود هاجن.
وقد ذكر الكاتب في موسوعته ما يقرب من 23 رتبة أوسعها كانت رتبة العصفوريات والتي تضم منفردة 300 طائر تحت فصائل وأجناس مختلفة، مرورا بالرتب متوسطة العدد كرتب الطيور الخواضة والصقور.. نهاية بالرتب التي تضم تحتها طائرا واحدا كالرتبة النعامية ورتبة الببغاوات، كل ذلك مع بيانات مختصرة في سطور عن كل طائر من حيث وصفه، وموطنه، وتوالده، ووجوده في مصر، وأحيانا الاختلاف بين ذكر وأنثى الطائر.
تجول الكاتب مع النادر من الطيور، مثل غراب القيظ، والعصفور فضي المنقار، ومع الطيور الشهيرة التي ترى طوال العام في مصر، مثل الصفير الذهبي، والحمام الجبلي، وأبو الرأس الخواض، والكروان الجبلي، وقد علق الكاتب على بعض الطيور وشكك في تواجدها في مصر مثل العقعق والغطاس أحمر الرقبة، والغراب الحيفي.
أكثر هذه الطيور تهاجر إلى مصر شتاء أو خريفا مثل الشرشور أو الزرزور الأوربي، وبعضها صيفا أو ربيعا مثل سنونو الرمال، والعصفور البيوتي. ورغم الأعداد الهائلة للطيور التي تحط على أرض مصر فإن هناك 8 أنواع فقط هي التي تتوالد على أرضها صيفا.
كل ذلك مذكور في موسوعة الدكتور عناني مع وصف دقيق للسيقان والأصابع والريش وطول الجناحين وأشكالهما وصورة لكل طائر ذكر اسمه بين صفحات الموسوعة، إلا أنه لم يذكر لون الطائر اعتمادا على الطبعة الملونة من الموسوعة، ويختم الكاتب هذا الجزء بعنوان شيق يوضح كيف تنطق أسماء الطيور باللغة العربية مع بعض التراجم لكلمات في الموسوعة الإنجليزية.
وننهي جولتنا مع هذه الموسوعة العملاقة بقول كاتبها رحمه الله: إن هذا الكتاب كان كالعنقاء لا يرتجى إليه وصـول، يتمنى أولو الفضائل أن لو كان يوما لديهم حصول. [17]
الدكتور محمود.. رائد علم الحشرات:
كان عشقه لجمع الفراشات والحشرات ذات الألوان الزاهية، وملاحظة طرق حياتها؛ وراء تأسيسه لأول مدرسة علمية مصرية وعربية في مجال الحشرات عبر رحلة طويلة من البحوث والإنجازات العلمية، وعلى مدى ما يقرب من (70) عامًا جعلته عالمًا بارزًا في هذا التخصص، وجديرًا بالعديد من المناصب العلمية، والجوائز، والأوسمة، وشهادات التقدير، وكان آخرها جائزة مبارك لعام (1999م).
وقد كانت زيارته لصديق والده نقطة التحول في حياته، عندما نصحه بالتحويل من كلية الطب إلى كلية العلوم؛ ليكون العالم الكبير الأستاذ الدكتور "محمود حافظ" صاحب أول مدرسة في علم الحشرات في الشرق الأوسط.
وُلِدَ الدكتور "محمود حافظ" في حي عابدين بمدينة القاهرة في (10) من يناير عام (1912)، وقضى بها جزءاً من طفولته المبكرة، وكذلك قضى جزءاً آخر في مدينة إسنا بصعيد مصر، ثم انتقل مع أسرته في سن السادسة إلى مدينة فارسكور بمحافظة دمياط حيث مسقط رأس والده، وهناك التحق بـ "الكُتَّاب"، وحفظ بعض أجزاء القرآن الكريم على أيدي المشايخ.
وعندما قامت ثورة (1919) كان عمره وقتها سبع سنوات، وكان والده من أبطال هذه الثورة؛ فالتف حوله سكان المدينة ومن حولها، ونادوا به مَلِكًا على فارسكور وشمال الدلتا، وتولوا الاستيلاء على مراكز الشرطة وما بها من أسلحة وقاوموا القوات الإنجليزية، وتزامنت هذه الأحداث مع أحداث متشابهة في مدينة زفتى بمحافظة الغربية، التي أُعْلِنَ فيها قيام جمهورية زفتى، وتعيين شخص يُدعَى "يوسف الجندي" رئيسًا لها.
ونظرًا لوجود عدد من القضاة الشرعيين في أسرته؛ التحق بمعهد دمياط الديني الأزهري، وأمضى به عامين، وبعد ذلك أصرت والدته على أن يلتحق بالتعليم العام؛ فدخل مدرسة فارسكور الابتدائية عام (1922)، وتلقَّى بها تعليم اللغة العربية، واللغة الإنجليزية بدرجة جيدة.
وبعد حصوله على الابتدائية عام (1926)، التحق د. "حافظ" بالمدرسة السعيدية بالنظام الداخلي، ونظرًا لتفوقه، وحصوله على مجموع بنسبة (93%) في الابتدائية، حصل على المجانية في السعيدية التي قضى بها خمس سنوات، وكان مجموعه في شهادة البكالوريا "الثانوية" (92 %)؛ فالتحق بكلية طب القاهرة وأمضى ثلاثة شهور بالسنة الإعدادية بها.
نقطة تحول
وحدثت للدكتور "محمود حافظ" في بدايته الجامعية نقطة تحول غيّرت مجرى حياته العلمية والعملية؛ فقد طلب منه والده أن يذهب إلى أحد أصدقائه؛ ليحدثه في أمر مهم، وبالفعل توجه إليه؛ فقال له صديق والده: إن كلية الطب صعبة، ودراستها مرهقة، وكلية العلوم فتحت حديثًا، ويمكن أن يكون له بها مستقبل، ومكانة علمية.
وذهب د. "حافظ" إلى د. "علي مصطفي مشرفة" العالم المصري الشهير، وكان وقتها رئيسًا لقسم الرياضيات بكلية العلوم، وتحدَّث معه بشأن التحويل من كلية الطب إلى كلية العلوم، ووافق عميد الكلية، واختار الطالب أن يلتحق بقسم الحيوان؛ لأنه الأقرب إلى دراسة الطب.
وفي عام (1935) حصل على بكالوريوس العلوم، وعُيِّنَ معيدًا بالكلية، وتوجَّه في دراساته العليا نحو علم الحشرات، وكان توجهه لهذا العلم بسبب أنه أثناء دراسته بالمدرسة الابتدائية في فارسكور كان يخرج مع أصدقائه إلى القرى المجاورة، ويقومون بجمع الفراشات، والحشرات، والرعاشات ذات الألوان الزاهية من الحقل؛ فرسخت هذه الهواية في وجدانه.
وفي عام (1937) تم إيفاده في بعثة إلى المتحف البريطاني وجامعة لندن، وحصل على درجة الماجستير عام (1938)، ثم بدأت الحرب العالمية الثانية عام (1939) وكان قد جمع جزءاً كبيرًا من المادة العلمية لرسالة الدكتوراة، وعاد إلى مصر، وتابع البحث في كلية العلوم بالقاهرة، وحصل على درجة الدكتوراة سنة (1940) فَعُيِّنَ مدرسًا( ب ) بالكلية سنة (1941)، وبدأ مرحلة البحوث العلمية وأصبح مدرسًا ( أ ) سنة (1944)، ثم أستاذًا مساعدًا عام (1948)، ثم أصبح أستاذَ كرسي، ورئيس قسم الحشرات بالكلية عام (1953) وحتى عام (1972)، ووكيلاً لكلية العلوم (1964-1966)، ثم وكيلاً بوزارة البحث العلمي (1967-1968).
بعثاته الدراسية
أما عن بعثاته الدراسية إلى الخارج فقد سافر.د. "محمود حافظ" إلى جامعة كامبردج بإنجلترا سنة (1946)، وقضى بها عامَيْنِ؛ لدراسة فسيولوجيا الحشرات مع "سيرفيتر ويلجز ويرث" أكبر عالم في هذا التخصص في أوربا.
ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام (1948)، ومكث بها ستة أشهر وزار (38) ولايةً، وتعرف على أقسام الحشرات بها، وطرق مكافحة الآفات. وزار مراكز بحوث وقاية النبات؛ فاكتملت في خلفيته وحصيلته العلمية صورة شاملة عن اتجاهات البحوث في إنجلترا وأمريكا. كما زار أقسام علم الحشرات بجامعات الاتحاد السوفيتي عام (1957). وفي المدة من عام (1937) إلى (1997) زار مراكز البحوث الحشرية في معظم البلاد الآسيوية، والأفريقية، والعربية.
اشترك د. "حافظ" في أكثر من (50) مؤتمرًا وندوةً دوليةً ممثلاً لجامعة القاهرة وأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، وتولَّى رئاسة العديد منها في المدة من (1947 – 1996)، كما أشرف على عدة مشروعات بحثية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووزارة الزارعة الأمريكية، وهيئة البحوث البحرية الأمريكية، ومركز أبحاث الجراد بلندن، ومنظمة الأغذية والزراعة.
ذبابة الرمد
وطوال حياته العلمية أجرى.د. "محمود حافظ" مئات الأبحاث والدراسات، وتوصل إلى العديد من الاكتشافات العلمية التي كان من أهمها اكتشاف ذبابة الرمد، وأثبت أنها الناقل الرئيسي لأمراض العيون في مصر، وتنتشر في أواخر فصل الربيع، وأوائل فصل الصيف، وتحمل الآلاف من بكتيريا "إستربتو كوكاي Strepto Cocci "، و"إستافيلوكوكاي Staphylo Cocci "على جسمها وأرجلها، وقد تزامن هذا الاكتشاف مع تزايد أعداد المترددين على أقسام العيون في المستشفيات في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات.
وقد اهتمت منظمة الصحة العالمية بهذا الاكتشاف، وقامت بتعيين د. "حافظ" خبيرًا في مجال حشرات الذباب، سواء: العاديّ، أو الناقل للأمراض، أو الماصّ للدماء.
وتناولت بحوث العالم الكبير ثلاثة مجالات رئيسة:
أولها: مجال الحشرات الطبية التي أولاها اهتمامًا خاصًّا، واكتشف (55) نوعًا من القمل القارض، أو قمل الطيور، وكان أول مَن لفت الأنظار إلى أن مشكلة الذباب لا تُحَلُّ بالمبيدات؛ نظرًا لتكون المناعة لديها، ودعا إلى استخدام المعقمات الكيميائية لمنع توالد الذباب، ونفّذ هذه الفكرة بالتعاون مع المراكز البحثية الأمريكية، وتناولت بحوثه كذلك دراسة القُراد الذي يصيب الماشية في مصر، وعلاقته بنقل الأمراض وطرق مكافحته.
ثانيها: الحشرات الزراعية، حيث تناولت أبحاثه الكثير من الآفات، والحشرات القشرية، والجراد، وديدان القطن، والجعال، والمنِّ، وحشرات الحبوب المخزونة، من النواحي البيولوجية، والبيئية، والفسيولوجية؛ باعتبارها دراسات أساسية تُبْنَى عليها مكافحة الآفة.
ثالثها: الحشرات الصحراوية، حيث اهتم. د. "حافظ" ببعض الحشرات الصحراوية في مصر، ومراحل حياتها، وبيئتها، وسلوكها حيال الظروف الطبيعية، وهو مجال حشري لم يسبق أن طرقه باحث من قبل في مصر.
كما قام بتجارب ناجحة في مكافحة ذبابة الفاكهة بالإشعاع، واستخدام المركبات الهرمونية، ومنظمات النمو الحشرية، والكشف عن تأثيرها البيولوجي على الآفات.
وقام أيضًا بدراسة رائدة على استخدام الممرضات البكتيرية، والفطرية، على بعض آفات القطن بهدف الإقلال من استخدام المبيدات الكيميائية، والحفاظ على البيئة.
أما عن كتبه ومؤلفاته فقد ألَّف، وترجم، وراجع (17) كتابًا في علوم الحشرات، والحيوان، وتاريخ العلم، وكتب الجزء الخاص بالحشرات في الموسوعة الميسرة "فرانكلين". وأسهم في ترجمة بعض المعاجم العلمية: معجم كومتون العلمي المُصوَّر بإشراف الجامعة الأمريكية والموسوعة البريطانية، ومعجم علم الأحياء، ومعجم علم الكيمياء والصيدلة، كما أسهم في إصدار معجم اللغة العربية. وأسهم في كتاب تاريخ وتطور علم الحشرات في مصر، إصدار أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.
ومن خلال مجمع اللغة العربية الذي يشغل منصب نائب رئيسه، أجرى العشرات من الدراسات حول المعاجم العلمية، وتعريب العلوم، وشارك في ترجمة وتعريب الآلاف من المصطلحات، من خلال لجان الأحياء، والزراعة، والكيمياء، والصيدلة، والنفط. كما يرأس حاليًّا المجمع العلمي المصري.
متحف الحشرات
أما عن أعماله الإنشائية البارزة، فقد أسهم في إنشاء قسم الحشرات بكلية العلوم بجامعة القاهرة، وعمل على تطويره على مدى (60) عامًا، وقام بإنشاء متحف الحشرات بالقسم، ويُعتَبَر الأول من نوعه في الشرق الأوسط ويضم (70) ألف عينة، وأربعة آلاف نوع، والعديد منها قام باكتشافه.
كما أسهم في إنشاء قسم الآفات ووقاية النبات بالمركز القومي للبحوث، ووضع لبِنَتَهُ الأولى، وعمل على تطويره، وإعداد الباحثين به على مدى (16) عامًا، وأنشأ محطة أبحاث وادي النطرون للبحوث الحقلية والبيولوجية. وشارك في إنشاء البحوث الحشرية بهيئة الطاقة الذرية والمركز الإقليمي للنظائر المشعة للدول العربية، ومعهد بحوث الحشرات الطبية بوزارة الصحة المصرية خلال عمله مستشارًا ومشرفًا على بحوث الحشرات الناقلة للأمراض به.
وقد تخرج على يد. د. "محمود حافظ" أكثر من (100) باحث حصلوا على درجات الماجستير والدكتوراه، وأصبحوا أساتذةً في تخصصاتهم، وأصبح بعضهم وزراء ورؤساء جامعات، ومراكز بحوث.
وقد تواصل الإنتاج العلمي فلم ينضب، وكانت آخر أبحاثه المنشورة في عام (1998)؛ ولذلك فهو عضو في ثلاث أكاديميات عالمية هي: الأكاديمية الإسلامية للعلوم في الأردن، والأكاديمية الإفريقية في نيروبي بكينيا، وأكاديمية العالم الثالث بإيطاليا التي تضم أربعة أعضاء فقط من مصر.
كما أن. د. "حافظ" أستاذ زائر بجامعات أمريكا، وأوروبا، وشرق آسيا، وإفريقيا، وقد ألقى بها مئات المحاضرات عن المشاكل الحشرية، وتاريخ علم الحشرات، ومكافحة الذباب، والآفات.
الجوائز والأوسمة:
ولإنجازاته العلمية البارزة حصل د. "حافظ" على العديد من الجوائز والأوسمة طوال حياته منها: جائزة الدولة التقديرية في العلوم لعام (1977)، والميدالية الذهبية، وشهادة تقدير من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا عام (1978)، وشهادة تقدير من هيئة البحوث الدولية بوزارة الزراعة الأمريكية لبحوثه الرائدة في علم الحشرات (1972-1987).
كما نال وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى (1978)، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام (1981)، وأخيرًا نال جائزة مبارك عام (1999م). [18]
عبد المنعم تلحوق:
فقد البحث العلمي بوفاة العالم البحاثة الدكتور عبد المنعم تلحوق ركناً من أركانه العالميين، حيث كرّس حياته العملية كلها في الكشف عن الحشرات المسببة أو الناقلة لأمراض المزروعات فتعرّف عليها ودرسها ونشر حولها المقالات العلمية والكتب القيمة؛ فذاع صيته في العالم كله، وقدّرته المحافل العلمية، وتعرّفت من خلاله على بلده لبنان وعلى جامعته (الجامعة الأميركية في بيروت) وعلى طلابه الكثر المنتشرين في كل أنحاء المسكونة.
الشيخ عبد المنعم تلحوق، الدكتور والأستاذ الجامعي هو باحث إلى أعماق جسده وروحه، أمضى حياته مفتشاً عن المعرفة، عاملاً بجهد لا يتعب ولا يمل مجيباً بمحبة على سائليه وملبياً طلبهم بحماس، فتواضعه اللامتناهي وصفاته الإنسانية العالية وعطفه على الجميع كلها صفات قرّبت منه طلابه الكثر فأحبوه واحترموه، فمن تحلى بهذه الأخلاق الفريدة يبقى ذكره خالداً إلى الأبد.
ويفخر المجلس الوطني للبحوث العلمية بكون عبد المنعم تلحوق أحد مستشاريه القدامى الذي لم يتأخر يوماً عن تلبية دعوته لتقييم المقالات العلمية المرشحة للنشر، أو لدراسة مشاريع الأبحاث في حقل اختصاصه، أو لنشر إحدى مقالاته المبتكرة في «المجلة العلمية اللبنانية» التي يصدرها المجلس.
نبذة عن حياته العلمية:
رحل البروفسور عبد المنعم سليم تلحوق صباح الأحد عن 91 عاما في بلدته (عالية) بعد عمر مديد أفناه باحثاً وعالماً ومؤلفاًً، أستاذ الشرف في علم الحشرات في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأمريكية في بيروت، والحائز على وسام المعارف من الدرجة الأولى، وعلى وسام الأرز الوطني من رتبة فارس.
ولد تلحوق في مصر عام 1913 وتخرج من الجامعة الأميركية في بيروت مع بكالوريوس في علم الأحياء عام 1948 وماجستير عام 1955 ثم حاز الدكتوراه من جامعة ميونيخ في عام 1960م.
عمل تلحوق لسنوات عدة في وزارة الزراعة في كل من لبنان وسوريا وبدأ التعليم في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1953 وترقى أكاديمياً من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك فأستاذ في علم الحشرات عام 1964 وعيّن أستاذ شرف عام 1988م.
شغف تلحوق بدراسة الحشرات منذ صغره، وهو مكتشف مئات الأنواع من الحشرات في لبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية، وقد سمي العديد منها باسمه "تلحوق" تيمنا به. وهو يعتبر مرجعاً رئيسياً في علم الحشرات وعضواً في العديد من الجمعيات العلمية الأكاديمية العالمية المتخصصة بهذا العلم.
وقد عرف بغزارة أبحاثه وله أربعة كتب عن الحشرات في الشرق الأوسط بالإنكليزية والعربية، ترجم بعضها إلى الفارسية والألمانية، كتابه الأخير " دور الحشرات في التنوع البيئي لحشرات العثة في لبنان"، وتبرع بأرباحه إلى الطلاب المحتاجين في الجامعة.
وللبروفسور تلحوق 75 مقالاً نشرت في المجلات العلمية المتخصصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا، وقد حاضر وشارك في مؤتمرات عالمية عن الحشرات كما زار معاهد لحماية النبات حول العالم، وهو أوصى بمجموعته من الحشرات النادرة إلى متحف التاريخ الطبيعي في دائرة علم الأحياء في الجامعة الأمريكية في بيروت. [19]
| |
|