استعرض المستشار مصطفي سليمان
وقائع القضية علي مدي54 دقيقة, بادئا برصد حالة الغضب في أكتوبر2010,
وصورة لانفجار الأوضاع في يناير2011,
مبارك فى طريقه للمحكمة مشيرا إلي أن حبيب العادلي أقام نظاما أمنيا مستبدا علي مدي13عاما, انتهي
بأبشع جريمة تقوم بها قوات الأمن المصرية في التاريخ المعاصر ضد
المتظاهرين.
عقدت الجلسة العاشرة صباحا برئاسة المستشار أحمد رفعت وعضوية المستشارين
محمد عاصم بسيوني وهاني برهام, الرئيسين بمحكمة استئناف القاهرة, وحضور
المستشارين: مصطفي سليمان المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة,
ومصطفي خاطر المحامي العام لنيابة شرق القاهرة, وعاشور فرج وأحمد حسن ووائل
حسين, وسكرتارية سعيد عبدالستار.
وبدأ المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة الجلسة مناديا علي المتهمين بادئا
محمد حسني مبارك الذي رد بأنه موجود, ثم ابنيه علاء وجمال موجود, وباقي
المتهمين العادلي وأحمد رمزي وحسن عبدالرحمن واسماعيل الشاعر وعدلي فايد
وأسامة المراسي وعمر الفرماوي, وأمر النيابة بالبدء في المرافعة وقد حاول
محامي العادلي وأحمد رمزي مقاطعة رئيس المحكمة مطالبا بالكلمة, إلا أن رئيس
المحكمة أصر علي البدء في مرافعة النيابة, وبدأ المستشار مصطفي سليمان
المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة مرافعته مستهلا بالآية
الكريمة:( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء
وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير) صدق الله
العظيم.
وواصل ممثل النيابة العامة قائلا: في مصر الزمان أيام وشهور وسنين تتهافت
علي مطلعها الأرواح وتتعانق الأنفس لا تود لها مغيبا.. وأحسب أن هذه الأيام
من25 يناير إلي11 فبراير من الأيام الخالدة التي ستظل في ذاكرة الشعب
والعالم بأسره, لن تمحي منه, لأن آثارها ونتائجها هي السبب في مثولنا أمام
ساحة المحكمة المقدسة, حاملين كلمة المجتمع في قضية فريدة غير مسبوقة أطلق
عليها البعض قضية القرن, لكن الحقيقة أنها القضية الأولي من نوعها, والأهم
في تاريخ مصر القضائي والسجل التاريخي المصري والعربي, فلأول مرة يخضع رأس
الدولة الحاكم للتحقيق والمحاكمة تجسيدا لسيادة القانون علي الحاكم
والمحكوم للمرة الأولي يحاكم فيها المصريون رئيسهم في مشهد غير مسبوق لم
يحدث من قبل وربما لن يتكرر.
فهذه القضية تعني لمصر والشرق الأوسط سقوط عصر حكم الفرد بلا عودة ونهاية
عصور طويلة من الحكم الاستبدادي الذي يعتبر فيها الحاكم بديلا عن الشعب ولا
يخضع للحساب, لأنه فوق القانون.
قضية ستذكر كل حاكم بأنه مسئول عن صحة وسلامة قراراته, وأنه خاضع للمساءلة
في دولة قانون تتساوي فيها حقوق المواطنين, فلا يوجد فيها من هو فوق
القانون بل القانون فوق الجميع, قضية تمثل درسا وعبرة للمستقبل, تلزم كل
حاكم أن يتذكر أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة, وأن هناك قيدا مشروعا يكبح
جماح إرادته يتمثل في الدستور والقانون, وأنه سوف يأتي عليه يوم يتجرد من
زهو السلطان ويعود في صفوف المواطنين مرة أخري كمواطن عادي.. قضيتنا تأخذ
بالبلاد والمنطقة إلي آفاق جديدة يتحول فيها الحاكم من فرعون مستبد إلي
إنسان ينطبق عليه ما ينطبق علي باقي شعبه.. وتتم محاكمته إذا أخطأ أو أفسد.
ويواصل ممثل النيابة قائلا: قضيتنا ستفتح الباب لمصر لدخولها إلي مصاف
البلاد المتقدمة التي يقوم فيها الحكم علي القانون وليس التدليس والرياء..
قضية تغادر بها مصر علي نحو نهائي مرحلة تاريخية غابت فيها المسألة فأصبحت
علامة فارقة ونقطة تحول في تاريخ الحكم بمصر.
ويسرد المستشار مصطفي سليمان وقائع القضية موجها حديثه لهيئة المحكمة
قائلا: القضية الأساسية وهي القتل أو الشروع في القتل بالنسبة للمتظاهرين,
ليست كغيرها من قضايا القتل, فهي ليست قضية نمطية وإنما فريدة في أطرافها,
فلأول مرة المتهمون فيها رأس النظام ووزير داخليته وكبار مساعديه المجني
عليهم نفر من الشعب عدة مئات, ومن المصابين يفوق الألف بكثير من خيرة أبناء
هذا الوطن تصدوا مع غيرهم من جيل شجاع من الشباب الحر في الثورة الشعبية
التي بدأت في25 يناير وانضمت إليها الأمة بفئاتها العمرية وطوائفها الدينية
وانتماءاتها الحزبية والسياسية علي قلب رجل واحد.. هؤلاء ضحوا بأرواحهم
الطاهرة وسلامة أبدانهم من أجل تحرير الكرامة وإصلاح الأوضاع السياسية
المتردية, وبداية عهد جديد من الحرية والديمقراطية والعدالة.
أما المتهمون, فيأتي علي رأسهم الرئيس السابق الذي شاءت له الأقدار تولي
حكم مصر دون سعي منه, إلا أنه رفض أن يترك الحكم بإرادته نزولا علي إرادة
شعبه حتي نزع منه نزعا رئيس أقسم اليمين علي رعاية الشعب فإذا به يحنث في
يمينه ويرعي مصالح أسرته وبطانته لاسيما في العقد الأخير من ولايته فتم
تكريس هذا العقد لارتكاب خطيئة وسنة لم يسبق لأحد من رؤساء مصر السابقين
فعلها, وهي توريث الحكم فعصف بكل شخصية اكتسبت بعض الشعبية وأطاح بها من
موقعها وترك منصب نائب الرئيس شاغرا طوال فترة ولايته حتي تخلو الساحة
لابنه المتهم الرابع جمال.
وتم تزوير ارادة الجماهير في اختيار النواب البرلمانيين.
رئيس منحه الشعب ثقته وأعطاه الفرصة طوال30 عاما وهي فترة تزيد علي حكمي
عبدالناصر والسادات, فترة استغرقت نصف عمر الشيوخ وأغلب عمر الكهول وكل عمر
الشباب, وكانت كفيلة لتحقيق نهضة مصر فيما توافرت النزاهة والتقوي واتبعت
السياسات الصحيحة لكنه خذل الشعب وبرغم احساسه بالملل من المسئولية طوال
هذه الفترة وتقدمه في العمر آثر البقاء علي كرسي الحكم فأنسته زهوة السلطة
رغبات شعبه حتي قام الشعب بالتخلص منه, كان بوسعه تسليم زمام الأمر الي من
هو أفضل في العطاء دون أن يخطط لتسليمها الي ابنه, لم يأخذ العظة والعبرة
من حادث اغتيال السادات الذي كان بجواره في المنصة ويستجيب لارادة شعبه
ويريح نفسه من الأعباء الثقيلة وخضع لضغوط وإرادة قرينته التي أرادت أن
تكون أما لرئيس وريث بعد أن كانت زوجة رئيس لم يدرك أن مصر ليست عقارا أو
عزبة خاصة يمكن أن تباع أو تورث.
لم يقدر صبر الشعب وتحمله لممارسات الظلم والطغيان, لم يستمع لصوت الشارع الذي يطالب بالعدالة والحرية.
ويكمل ممثل النيابة المرافعة قائلا: بلغت الاستهانة بالشعب قمتها حتي قام
نظامه بتزييف ارادته بتزوير مفضوح لتكون جواز المرور للتوريث فحدث
الانفجار.
رئيس مصر أهان نفسه ولوث ماضيه الذي كان محل فخر وأهال التراب علي فترة
حكمه فاستحق انتهاء مشواره بانكسار وذلة من قصر الرئاسة الي قفص الاتهام,
فتم تكريس الدولة باحكام سيطرة الحزب الوطني واحتكاره السلطة التشريعية
والتنفيذية في ولايته الأخيرة, أبقي العديد من الوزراء في مواقعهم مما أدي
الي تفشي الفساد وعدم محاسبة الفاسدين, اتبعت سياسات اقتصادية أدت الي
ارتفاع الأسعار وعدم تناسبها مع الأجور, سياسات خدمت الأغنياء علي حساب
الطبقات الصغيرة فازداد الفقراء فقرا وظهرت الطبقات المعدمة وتصاعدت
المشاكل العمالية وأصبحت الفوارق سحيقة بين الطبقات.
وفي ظل هذه السياسة حدث تخلف تعليمي وتقهقر اقتصادي وانحسار لدور مصر وفقدانها لمكانتها التي كانت تتمتع بها.
حسين سالم
أما المتهم الثاني حسين سالم, صديق مبارك وأسرته, ففي بداية السبعينيات
تعرف مبارك علي سالم وقت أن كان نائبا لرئيس الجمهورية وبرغم علمه بأن سالم
له نشاط في تجارة السلاح وأدين في إحدي القضايا به, إلا أنه أتي به بعد أن
أصبح رئيسا واحاطه بنفوذه ورعايته فحصل علي خلفية هذه الصداقة علي أجمل
المواقع بشرم الشيخ والاستثمار في عدة مشروعات فكان سالم يحصل علي القروض
مهما بلغت ضخامتها فازدادت ثروته ثراء.
حبيب العادلي
والحديث لايزال لمصطفي سليمان تناول ما نسب لحبيب العادلي من اتهامات,
قائلا إنه أطول وزراء الداخلية عمرا في الوزارة لمدة تزيد علي13 عاما, أقام
نظاما أمنيا قمعيا مستبدا خرج بدور جهاز الشرطة العظيم من خدمة الشعب
وحمايته الي خدمة النظام الحاكم, واستخدم الأساليب القمعية من وأد للفكر
وقمع للحريات وحجب الآراء, واتبع سياسات خاطئة قائمة علي زواج الأمن بالحزب
الوطني وكرس كل أجهزة الشرطة لإنجاح مشروع التوريث لم يعبأ بالأرواح التي
أزهقت والعاهات التي حدثت بمعرفة قواته وتعليماته وأوامره في سبيل بقائه في
منصبه.
فهذه الجريمة هي الأبشع في التاريخ المعاصر, قتل نفرا من الشعب خرج ليطالب
بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية, فهناك آباء وأمهات مكلومين وتملؤنا
معهم الحسرة والألم علي الأرواح التي أزهقت علي أمة فقدت جزءا من شبابها
وأطفالها في نظام قمعي مستبد تعامل مع المتظاهرين السلميين وصوب نحوهم
الأسلحة الآلية بدلا من أن يتجه لحمايتهم, نحن هنا نتحدث عن الماضي الذي
عاشته الدولة في ظل نظام قمعي والحاضر الذي نعيشه في فوضي وغياب واضح
لمؤسسات الشرطة ومستقبل بلاشك ستحدده هذه المحاكمة في السنوات المقبلة
ليكون منها العظة والعبرة لمن يتولي مقاليد الأمور فيما بعد.
ثم استعرض ممثل النيابة وقائع القضية المتعلقة بالقتل والشروع فيه والتي
تلخصت في رصد الجهات الأمنية من اكتوبر2010 وجود حالة من الغضب لدي طوائف
الشعب تصاعدت في نوفمبر في أعقاب الانتخابات, ثم ازدادت تصاعدا بعد الثورة
التونسية وتردي الأوضاع في البلد واخفاق أحزاب المعارضة وسيطرة الحزب
الوطني علي المقاعد, الأمر الذي أدي الي قيام بعض الشباب والناشطين
السياسيين بدعوة طوائف الشعب لتنظيم مظاهرات وعقد العادلي اجتماعا مع
مساعديه وأصدر تعليماته بالتعامل الأمني العنيف, وخرج المواطنون في مظاهرات
لم تشهدها مصر من قبل مطالبة بحل مجلسي الشعب والشوري وإجراء انتخابات
نزيهة وتشكيل حكومة جديدة, ووقف الاعتقالات وزحفت المسيرات الي ميدان
التحرير وأعلنوا الاعتصام لحين تنفيذ المطالب, وقامت قوات الشرطة بتنفيذ
الأوامر الصادرة إليهم من المتهمين باستخدام القوة وقدر من العنف وتم تفريق
المتظاهرين وفي26 يناير شهدت بعض المحافظات تظاهرات وتم استخدام الأسلحة
والخرطوش وتوفي بعض المجني عليهم لإصابتهم بطلقات خرطوش وقامت الجمعية
الوطنية للتغيير و6 ابريل ومجموعة كلنا خالد سعيد بالدعوة لتنظيم مظاهرة
في28 يناير تحت مسمي جمعة الغضب, علي أن يكون الانطلاق من الأحياء الشعبية
والشوارع الفرعية وعقد العادلي مع المتهمين اجتماعا آخر اتفقوا فيه علي
تكليف القوات بمنع المتظاهرين من الوصول لميدان التحرير والميادين الأخري,
وكان ذلك أغلب الظن يوم27 يناير والسماح للقوات بإطلاق الأعيرة النارية علي
بعض المتظاهرين واتخذ العادلي قراره بقطع الاتصالات, وفي28 يناير فوجئت
الشرطة بمشاركة حشود ضخمة من المواطنين دون أن يؤثر قطع الهواتف المحمولة
علي مشاركتهم وحاولت الشرطة السيطرة وعجزت لعدم تناسب ذلك مع قدراتها وهذا
العدد الهائل, وتم تنفيذ التعليمات الصادرة لهم باستخدام العنف مع
المتظاهرين الذين تظاهروا بأسلوب في منتهي الرقي والتحضر إلا أنهم فوجئوا
ببعض رجال الشرطة يضربونهم رميا بالرصاص في مواضع الرأس والصدر والبطن مما
أدي الي وفاة225 واصابة1368 حتي الآن, وهنا توقف ممثل النيابة عن المرافعة
بعد أن قرر رئيس المحكمة أن يستكمل الجزء الثاني منها اليوم.
الاهرام