الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فيا طالب النجاح في مناحي الحياة.. هذا اقتراح للنجاح، بل ومفتاح للراحة والسعادة والرضى، فلا تشتت تفكيرك، ولا تشغل بالك وإنما التركيز وتوحيد الهدف، وتوحيد الهم.
فالناجح موحد همه، مهيأ نفسه لترتيب همومه، وهو الذي يعلم أنه سيعيش مرة واحدة في دنيا الهموم.. ومنهجه " واجعل الهمين هماً واحداً ".
فيزول التشتت، ويذهب التفرق، وتترتب الأفكار، وتجتمع الهموم في هم واحد، مما يجعل القلب مهيأ للإيجابية والنجاح والتميز، وهمك رضى ربك، وحفظه في الظاهر والباطن، فاحفظ الله يحفظك، وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله.
هذا سفينة مولى
رسول الله يقول:
ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها، فركبت لوحاًً من ألواحها، فطرحني اللوح في أجمة فيها أسد، فأقبل إليّ يريدني فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله فطأطأ رأسه، وأقبل إليّ، فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة، ووضعني على الطريق، وهمهم فظننت أنه يودعني، فكان آخر العهد به.
وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تقول زوجته فاطمة: اشتهى عمر يوماً عسلاً فلم يكن عندنا فوجهنا رجلاً على دابة من دواب البريد إلى بعلبك بدينار فأتى بعسل، فقلت: يا أمير المؤمنين إنك ذكرت عسلاً وعندنا عسل، فهل لك فيه؟ ثم قالت: وجهنا رجلاً على دابة من دواب البريد بدينار إلى بعلبك، فاشترى لنا عسلاً، فأرسل إلى الرجل فقال: إنطلق بهذا العسل إلى السوق فبعه، وأرد إلينا رأس مالنا، وانظر إلى الفصل فاجعله في علف دواب البريد. ولو كان ينفع المسلمين قيء لتقيأت.
فانظر كيف كان الهمين هماً واحداً، وكيف حصلت الثقة والطمأنينة، وقطع بريد الطمع ولزوم الكفاف وراحة البال بذلك، وهذا مفتاح جليل من مفاتيح النجاح.. وسر عظيم من أسرار الرضى عن الذات.
أما في هذه الدنيا كريم *** تزول به عن القلب الهموم
يقول صفي الدين الحِلي:
كن عن همومك معرضاً *** وكِلِ الأمور إلى القضا
وأنعم بطول سلامــــــة *** تُسليك عمّا قد مضـى
فلربما اتسع المضيــق *** وربما ضاق الفضــــا
ولَرُبَّ أمرٍ مسخــــــطٍ *** لك في عواقبه رضى
الله يفعل ما يشـــــــاءُ *** فلا تكن متعرضـــــــا
والحاصل...
لا تفرق همومك.. واجعل الهمين هماً واحداً.. ولا تحزن ولا تأس على ما فات.. ولا تحمل هماً لم ينزل بك.. ولا تلم الناس على ما فيك مثله.. ولا تتمنى مالا تملك.. ولا تمدح من لا يستاهل.. ولا تبني بخيالاتك قصوراً مشمخرة.. ولكن... وحد همك، وأرض ربك، واحفظ لسانك، وأكرم ضيفك، وساعد المحتاج.. تجد تميزاً في حياتك فهل وعيت.. وهلاّ طالعت أسرار فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:8،7]..فاجعل الهمين هماً واحداً.
وهلاّ طرق سمعك حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله : { من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله هم الدنيا، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا، لم يبال الله في أي أوديتها هلك } والمراد بالهم هنا هم المعاد.
وعن أنس قال: قال رسول الله : { من كانت الآخرة همه، جعل الله عناه في قلبه، وجمع عله شمله، ثم أتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرّق عليه شمله، ولن يأته من الدنيا إلا ما قُدر له } فهلاّ جعلنا همنا هماً واحداً بعد هذا..
يقول يحيى بن معاذ الرازي الواعظ رحمه الله: ( الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كل همة ) أ هـ.
وقال أيضاً في موضع آخر: ( من قوة اليقين ترك ما يُرى لما لا يُرى ) أ هــ.
فاترك هم ما يُرى في هذه الدنيا، وألزم نفسك هم ما يُرى في الآخرة، ولا يُرى في الدنيا تكن ناجحاً بإذن ربك..
وقفـــــة
عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله يقول: { من كانت الدنيا همه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيّته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة } [رواه ابن ماجه وابن حبان].
وعن عبد الله بن مسعود قال سمعت نبيكم يقول: { من جعل الهموم هماً واحداً، هم آخرته، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك } [رواه ابن ماجه وهو صحيح].
قال الكاتب المعروف بالببغاء:
تنكب مذهب الهمج *** وعذ بالصبر تبتهج
فإن مظلم الأيـــام *** محجوج بلا حجج
تسامحنا بلا شكر *** وتمنعنا بلا حرج
ولطف الله في إتيانـ *** ـه فتح من اللجج
فمن ضيق إلى سعة *** ومن غم إلى فرج
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبدالله وآله وصحبه.
المصدر/المؤلف: محمد بن سرّار اليامي