الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
أيُّها المبارك: أنقل لك حدثاً من أرض الواقع، وعسى الله جل وعزّ أن يحدث بعد ذلك أمراً، وأن يحدث بعد الأمر خيراً.
هذا الحدث لم يكن على سطح المريخ، ولا على سطح القمر، بل بين أظهرنا، ومن بين جلدتنا، وممن يتحدث بلغتنا، ساءني، فطرحتُ لهُ حلولاً علَّ الله جلّ وعزّ أن يوفقنا وكل مسلمٍ ومسلمةٍ لسلوك طريق الرَّشاد، وإلى المراد أيُّها المبارك..
حبستني إشارة المرور عند أحد التَّقاطعات...، فتوقفت أبحث في المذياع عن إذاعة القرآن الكريم...، وبينما أنا كذلك.. إذا تقدمتني سيارةً فارهةً فيها فيما أظنُّ مجموعة شباب...
تركتُ تقليب المذياع،... ذهلت... يا إلهي... ماذا أرى؟..
تأملت... دققتُ النَّظر... حملقتُ بدقةٍ... فإذا بهم شبابٌ في سنِّ الزُّهور... نعم... رجالٌ ولكنّ؟!!!
- شعرٌ مائلٌ على الجفن والخدّ...
- بشرةٌ صافيةٌ... تعبت من العناية بها...
- مفرقٌ للشَّعر.. أجمل من الحسناوات...
- عطورٌ نسائيَّةُ في قمة الرِّقة والانتشار...
ومن العجيب، وليس في هذا الزَّمن عجيب، ما رأيت معلقاً في عُنُقٍ أحدهم...
يا إلهي.... أهؤلاء رجالنا..، أهؤلاء أمَّةُ المستقبل، وجيل الغد... أهؤلاء شبابٌ؟ أم؟!
القدودُ مائلة، والخدود متوردة، والكلامُ في تكسرٍ وتغنجٍ، حتى إنَّ الإنسان ليستحي أن يتخاطب مع أحدهم..
ينظر إليك بعين ملؤها الإعجابُ بالذَّات، وما علم المسكين أن نظري إليه، كلّه شفقة وأسى ولوعة على حاله...
عمومًا الحمد لله على كلّ حالٍ..، ولكنَّ القلب ليألم ألمًا شديدًا على أحوال شبابنا..، نعم هذا مشهدٌ عشتُ لحظات بذاتي، ورأيت بأمّ عيني، لا أقول قال لي فلان؛ ولكن أقول: رأيت بأمّ عيني... هذا مشهد...
فيا تُرى.. أين آباء هؤلاء الشَّباب عن هذه التَّصرفات... نعم.. أين هم عن الشَّباب...
إنَّ الشَّابَّ كثر العاطفة، ثائر الغريزة، فيا تُرى...
هل لهذا الشَّابّ أبوان؟!
هل هذا الشَّابّ تعب، وأجهد نفسه في جمع ذلك المال الّذي يعبث به..
هل هذا الشّاب تربى في أحضان الغرب؟
هل..؟ هل..؟ هل..؟
أسئلة تدور حول ما قرأتم... أسئلة، وأسئلة.. ولكن هل لها من إجابة؟!
قد يقول قائل: أنت مبالغٌ فيما قلت... فأقول كما في المثل: "ما راء كمن سمع" إنّ من يدقق النَّظر وهو يجوب الشَّوارع ليرى من هذه الأصناف مئات..، ومئات..
واسمع لما يقول الشّيخ علي الطّنطاوي رحمه الله في مقال تحت عنوان (رجل في ملابس النِّساء) في كتابه الماتع (في سبيل الإصلاح ص 39)، يقول: قرأت في (أخبار اليوم) أنَّ الشّرطة عثرت على (فلان) قتيلًا في داره؛ وقالت عن هذا القتيل: إنّه كان يلبس ملابس النِّساء، ويفضلها على ملابس الرجال؛ لأنَّ أمّه لما ولدته كانت ترجو أن يكون بنتًا لذلك دعته (فلانة) وألبستهُث ملابس البنات، ونشأتهُ على ذلك، وقالت الجريدة: إنّه كان غنيًّا واسع الثَّروة فأراد يومًا أن يؤلف لجنة في (حزبٍ سياسيٍّ) للسَّيدات يكون هو رئيسها"، هذا ما قاله الشّيخ علي رحمه الله، وتعرفون من هو الطّنطاوي...
إذا قالت حذام فصدقوها***فإن القول ما قالت حذام
هذا المقال نشره الشّيخ رحمه الله في عام 1947م، فكيف بشبابنا اليوم...
أنا لا أدري وأنا أكتب هذه العبارات.... من هو المسؤول عن مثل ما نرى من هؤلاء الشَّبابُ...، أهم الأمَّهاتُ والآباءُ فقط؟ ! أم المجتمعُ بأسره؟!
إنَّ هؤلاء الشَّباب لو وجدوا من ينكر عليهم بالحسنى ويرشدهم للطّريق السّوي، طريق الرّجولة الحقَّة لما استمروا على ما هم عليه.
إنّني ألقي باللوم، والمسؤولية على عدّة محاور هي:
- الآباء والأمهات.
- المجتمع المسلم.
- المربون الأكفاء.
- القدوات..
نعم... إنَّ الأب والأم إذ كانا غافلين عن أبنائهما، منشغلين عنهم.. فإنَّهما سيجنيان الخيبة والخسار، وإن طال الزَّمن، وإن ارتفع مستواهما الاجتماعيّ، وإن كثرت ارتباطاتهما..، حدثني من أثق بحديثة، قال: قال لي شابٌّ من أبناء الأثرياء: "والله لا والدٌ مهتمٌ، ولا والدةٌ أيضًا، وإنّني يتيمٌ وهم أحياء..." (أ.هـ).
يقول محدثي: "وبعد حوار طويلٍ مع هذا الشّابِّ تبيَّن أنَّه مدمنُ مخدراتٍ ويعاقرُ الخمر والزِّنا في داره، ولا أحد يُثَرِّبُ عليه".
أمَّا المجتمع المسلم، فإن ترك ما أمرهُ الله به، وفضله به على غيره، لم يستطع تغيير الواقع المر... كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110].
هذا الشّابِّ وأمثاله.. إذا وجد من ينكر عليه مرّةً، ومرَّتين، وثلاثًا وأربعًا، و...، و... ربما نفعهُ ذلك، بل ربما أبدل طريق السّوء بطريق الخير، وصديق السّوء بصديق الخير والصَّلاح..
هذا المجتمع المسلم هو كالجسد كما أخبر المعصوم ، ومن الدِّين.. النَّصيحة..
فهندما تسكب النَّصيحة من قلبٍ مشفقٍ محبٍّ، على بريد الصِّدق، وتحملها الغيرة، والألم...، بحكمةٍ، وبموعظةٍ حسنةٍ، في أذن ذلك الشَّابِّ.
فإنَّ النَّاصح يبلغ رسالات الله، والهادي هو الله، والمنتفع كِلا الطَّرفين...
وأمَّا المربون الأكفاء.. فنقول لهم:
لماذا هذا التَّخلي عن ساحة من افتقر لخيراتكم، ومعلوماتكم.
إنَّ من الكفاءة أن يستشعر المربي عظم أمانة هذه المهنة ومسؤوليتها أمام أحكم الحاكمين.
إن من الكفاءات، التَّربية في كلّ حينٍ لكلِّ مسلمٍ على هذا الدِّين، وعلى الأخلاق الفاضلة الحميدة.
إن من الكفاءة، الحرقة عندما يرى أحدنا هؤلاء الشَّباب اللاهثين وراء الموضات والتَّقليعات.. الحرقة على هؤلاء أن لا يكونوا حطباً لجهنم -عياذًا بالله-، وليت الأمر توقف على الموضات والتَّقليعات فحسب...، بل كانت هذه الموضات والتَّقليعات سبيلًا لبعضهم إلى التَّخنث.. كما هو واقع.. بل زاد بعضهم إلى درجة التّأنث... عياذًا إنّ المربي الكفء يراقب الله تبارك وتعالى في من تحت يده ويعلم أنَّهم هم جيلُ الغد..، وبُناة المستقبل لا بَناتِهِ.
أمَّا جانب القدوات فيخضعُ لما تربى عليه الشَّابّ في مجتمعه المحيط به...، بحسب ذلك المجتمع وهمَّه، فإن كان مجتمعًا شهوانيًّا كما هو حالُ بعض المجتمعات اليوم فإنَّ قدوة ذلك الشَّابِّ.. هم أوائل الّذين برزوا في هذا الجانب..، وإن كان مجتمع الشّابِّ مجتمعًا روحانيًّا، كما هو حالُ أهل العلم والصَّلاح والاستقامة، فإن قدوة ذلك الشَّابُّ هم أوائل الّذين برزوا في هذا الجانب..، وعلى رأسهم المعصوم ..
كما أنَّ ذلك الشَّاب قد يكون لهُ ميولٌ نفسيَّةٌ أو نعرةٌ جراء المراهقة أو شللية نشأ بينها..، وغياب القدوات الصَّالحة، وتأخرها عن الميدان سبب في اتخاذ قدوات غيرها، وهذا خطيرٌ.
وبعد هذا: فهذه المحاور تقع عليها مسؤولياتٌ كبيرةٌ تجاه تربيَّة الشَّباب، حاولت الكلام على شيءٍ منها بحسب الحال، وعودًا على بداء، أقول لمن رأيتهم عند إشارة المرور... هل أنتم شباب؟! أم...؟!
وصلى الله على محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.