نختلف
وجهات النظر حول إقبال الرجال على الزواج من فتيات مستقلات الرأي والشخصية،
وفاعلات مُنتجات في مجتمعهن، فالبعض من الرجال يرى أن مكان المرأة الأول
والأخير منزلها، وأن وظيفتها الحقيقية الاعتناء بزوجها وأبنائها.
في حين يبحث آخرون عن تلك التي تمتلك القدرة على التفكير والتغيير
والمناقشة، بداعي أن الحياة الزوجية لا تكون إلا بها، وأنهم يبحثون عن
نصفهم الثاني "الحي"، الذي يناقش كل كبيرة وصغيرة في حياتهم الاجتماعية
والشخصية دون خجل.
و تتشابه كذاك آراء بعض النساء مع الرأيين سابقيّ الذِكر، فصاحبة الوظيفة
والنشاط الاجتماعي، "العاملة أو المستقلة" ترى أن حياتها دون تبادل الآراء
والحوار مع زوجها، حياة "جواري" تُفرضُ فيها وجهة النظر الواحدة، وترفض
قاطعةً أن تكون كذلك، فهي من وجهة نظرها إنسان -بغض النظر عن أنوثتها- ولها
الحق بالاختيار والقرار.
في الوقت ذاته تختلف وجهة نظر البعض الآخر من اللواتي يعتبرن أن ما يقوله
أزواجهن حدُ سيفِ على رقابهن، لا يحق لهن مخالفته ولا نقاشه، فترى بعضهن
يَقبلن أن يَضعن ما يتقاضينه من أجر على عملهن خارج منازلهن في جيوب
أزواجهن، دون مناقشة.. وإن قال لهن "لا"، يرددن خلفه "لا" دون حوار ولا حتى
اقتناع، فحاكم الأسرة قالها، وما عليهن إلا التنفيذ!!
فهل أنت عزيزي القارئ من أولئك الرافضين مناقشة المرأة لزوجها، وأن من حق
الأخير "الرجولي" طمسَ كيانها في إطار حياتهما الزوجية والاجتماعية؟!..
أم أنت من الفئة الأخرى، تلك التي تعتبر أن الزواج بداية حياةِ لا تكون إلا
بالحوار والمشاركة، وتبحث مع غيرك عن نصفك "الحي" الذي إن ضاقت عليك
الحياة بما رحبت، وتبخرت اختياراتك وجدته يحمل "القرار" أو المشورة!!..
لتدرك عزيزي القارئ أي الفريقين على صواب.. تابع مع "فلسطين" التقرير
التالي:
اختلاف!!
الزميلتان مرام قاسم ويسرى عبد العال رغم تشاركهما المهنة ذاتها، التدريس،
إلا أن كلاً منهما تحمل شخصية مختلفة عن الأخرى، الأولى "مستقلة" والثانية
"تابعة"، وفق مسميات اختارتاها لنفسيهما.. فقاسم والتي لم تتزوج بعد، ترفض
أن تكون "ملغية الشخصية" كزميلة مهنتها وترى أن الزواج علاقة تشارك لا تسير
مركبها إلا بالرأي المشترك والحوار البناء.
واعتبرت أن الاحترام المتبادل بين الزوجين يجب أن يكون القوام الرئيس
للعلاقة بينهما، وإن كان اختلاف وجهات النظر واضحا، فهي على ثقة أن أية
علاقة ارتباط كالزواج في المجتمع العربي تكون "مُستعجلة" يكتشف خلالها
الزوجان الاختلاف بينهما.
وأشارت إلى أن قوة شخصية المرأة واعتزازها بذاتها وبرأيها مهما عظم لا يجب
أن تهمل معه احترامها لزوجها وتقديرها له، قائلة :" أنا مؤمنة أنه إن اقتنع
الزوج بأنه الأهم في حياة زوجته سيكون قادراً على تقبل وجهة نظرها أكثر من
ذلك الزوج الذي لا يشعر بأهميته في عائلته".
والرجل عزيزي القارئ إن اقتنع بأن شخصية زوجته المستقلة لن تلغي شخصيته ولن
تتعداها، يكون على استعداد أكبر لمناقشتها بآرائها وآرائه، والخروج بما
يتوافق معهما الاثنان، على عكس من تشعره زوجته أن عملها وما تكسبه منه أهم
بكثير من رضاه ورأيه، لأنه بذلك لا يجد حلا أكثر إرضاء له من فرض رأيه..
وهذا حال يسرى عبد العال.
"بدهائها" تُعبر..
وعبد العال مُدرسة كان لها قبل الزواج "شخصية" فأهلها يعتمدون على رأيها
ومشورتها باعتبارها ناشطة اجتماعية خاصة في مجال الأسرة، وكذلك صديقاتها
وزميلاتها، ولم تكن تتوقع أن تُلغى شخصيتها يوما بعد الزواج، فهي إثر زفاف
تقليدي جمعها برجل كانت للمرة الأولى تعرفه بعد موافقتها عليه كزوج، فقدت
قدرتها على إبداء الرأي أو الاعتراض حتى على قرار خاطئ، خوفاً من الطلاق،
بعد أن كانت ترفض تحكم زوجها به، واتباع قراراته.
تحدثت كثيرا عن زوجات طغت شخصيات أزواجهن عليهن رغم تميزهن، قبل أن تعترف
أنها واحدة منهن، وتقول :"عشت مستقلة الرأي والقرار، ولا أقتنع بغير رأيي
وفكرتي، لا لفخر وعناد ولكن لأني صاحبة اطلاع واسع على المجتمع ومشاكله،
واستفدت كثيرا من مشاكل غيري، وفشلت للأسف في إدارة حياتي".
وقعت "فأس" الزواج والخوف من الطلاق في رأس عبد العال، واضطرت أن توافق
زوجها على كل ما يقوله وإن كانت على يقين أنه أقل تفكيرا وصاحب خبرات قليلة
في الحياة لا تتيح له الحكم على المشاكل وظروف المجتمع بصورة صحيحة،
ولأنها طغت عليه أول زواجهما لاقت منه قسوة وإجحافاً بحقها، مما اضطرها لأن
تتنازل عن شخصيتها نهائيها، وتُلحق ذلك بتنازلات أكبر وأكثر قسوة.
أطاعت عبد العال زوجها مُكرهة، في حين تطيع أميرة عقل زوجها طاعة عمياء عن
إيمان تام بأن ذلك من الدين، فهي لم يسبق لها أن قالت له "لا" أو اعترضت
على قراره وإن كان في عكس مصلحتها.
تؤكد عقل أن طاعة الزوج من طاعة الله، وأنها إن كانت ستسجد لغير الله لسجدت
لزوجها، بناءً على قول الرسول الكريم " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأمرت
الزوجة أن تسجد لزوجها من عظمة حقه عليها"، قالت :" عاطفة المرأة تحكمها
أكثر من الرجل في كثير من المواقف، والرجل الشرقي لا يقبل زوجة ندية, وأنا
لذلك أطعته وسربت آرائي وأفكاري بالتحايل إليه".
اعتمدت عقل على دهائها لتعبر عن رأيها وتحقق ذاتها، ورغم رضاها بـ"نصيبها"
إلا أنها تتمنى أن يتغير زوجها لتكون أكثر جرأة في الحديث معه وإبداء
الرأي، مستشهدة بأمثلة لبعض صديقاتها في المدرسة والجامعة ممن يعشن حياة
مشتركة مع أزواجهن يحكمها تبادل الآراء.
"أشاركها قراري"
هذه كانت آراء النساء ممن قابلتهن "فلسطين" أو أجرت معهن لقاءات تلفونية،
أما عن رأي الرجال، فكان كالتالي..
عزيز أبو التمن يشارك زوجته قراره ورأيه، حتى أن رأي زوجته في حياتهما
الخاصة هي وجهة النظر الصحيحة، يقول :" أشارك زوجتي الرأي في كل كبيرة
وصغيرة في حياتنا، بدون خجل أو تردد، هذا ما جعل حياتنا جيدة وصحيح
مسارها".
عدا ذلك يقول :" لا شك أن تفرد الرجل ببعض القرارات الخاصة بالحياة
الاجتماعية وما يتعلق بالمجتمع الخارجي صحيح إن كان على اطلاع أوسع من
زوجته وقدرة أكبر على اختيار الصواب ونبذ الخطأ، وإن لم يكن كذلك لما لا
يناقش زوجته؟".
ويعتبر أبو التمن أن قوة شخصية المرأة لا يعد سبباً حقيقياً لنفور الرجال
منها، قائلا :" بعض الرجال يخشون ضعفهم أمام النساء خاصة إن كان أحدهم
يعتمد على زوجته ماليا أو عاطفيا وغيره، وبعضهم يغار على زوجته من المجتمع
حولها، فينهرها أحيانا ولا يأخذ برأيها، وبعض الرجال للأسف غيرته من زوجته
تمنعه من الأخذ برأيها حتى إن كان صحيحاً، ليبدو أمام الناس صاحب شخصية
وغير محكوم".
وعن النتائج التي تحدث عند نفور الزوج من شخصية زوجته القوية، حذرَ حمدونة
من أن يكون تجاهل شخصية أحد الزوجين مدخلا للانحراف يبحث فيه كُلٍ منهما عن
بديل يشعره بإنسانيته واحترام رأيه، مستدركا :" حسب خبرتي في مجال الصحة
النفسية، كانت النساء مظلومات أكثر من الرجال، فإن كانت مطيعة يبحث زوجها
عن أخرى ندية له، وإن كانت ندية يبحث عن أخرى ذات شخصية مطيعة".
إن كان كذلك، كيف للزوجة التي يشاركها زوجها قراره أن تحافظ على حياتها
بهذا الشكل، وكيف للأخرى التي تمنع عنها شريك حياته القرار أن تُغير فيه،
سألنا د.حمدونة فأجابنا:" على الزوجين أن يبحثا عن الفهم المشترك بينهما
ويعززان مفاهيمه، وفي حين كانت في علاقتهما فجوة يجب عليهما جسرها بأي
طريقة جيدة تسمح لهما بالتوافق الزواجي، وتكون الفجوة عادة باختلاف الثقافة
والعادات والتقاليد".
وأضاف مُتابعا:" أما في حال لم يشارك الزوج زوجته بحجة أنه القَوام وصاحب
القرار فهذا علاجه يحتاج لوقت طويل يبدأ من التنشئة والتربية في الأسرة
والمدارس ويتبع في الجامعات والمجتمع المحلي، بحيث يُدرك الرجال أن للنساء
حق التفكير والتعبير، وحق إشباع حاجاتهن النفسية والفكرية، وإن حدث ذلك
يمكن أن نصل لنتيجة جيدة".